تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(ولم ير في بلد من بلاده ولا عمل من أعماله على طول أيامه رسم مكس ولا خراج، لا في حاضرة ولا في بادية، إلا ما أمر الله به، وأوجبه حكم الكتاب والسنة من الزكوات والأعشار، وجزيات أهل الذمة، وأخماس الغنائم).

قلت: هذا الملك العادل المجاهد من مفاخر التاريخ الإسلامي كله، ولا يوازيه من الملوك بعد عصر التابعين إلا أفراد قلائل، هم أندر من الكبريت الأحمر.

فكيف إذا أضفت إلى ترجمته أنه كان - مثل المرابطين أجمعين - على عقيدة السلف الصالح – رضوان الله عليهم- ما عرف الكلام ولا أهله؟

ومن أعظم ما أتمناه أن يتصدى ذو قلم بليغ سيال لترجمة هذا الإمام، ليُعرف المعاصرين به، ويقرب صورته من أذهانهم.

ـ[عصام البشير]ــــــــ[16 - 11 - 06, 09:33 م]ـ

3 - من عزة ملوك الإسلام في بلاد المغرب:

اشتهر جماعة من ملوك الإسلام في المغرب بعزة رفيعة، جعلتهم يزلزلون عروش الفرنجة بأوروبا، بكتبهم ورسائلهم قبل جيوشهم وعساكرهم.

منهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فقد قال ابن الأثير في (الكامل):

(ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع عساكره، وحشد جنوده، وسار من طليطلة، وكتب إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كتاباً كتبه له بعض غواة أدباء المسلمين يغلظ له في القول، ويصف ما معه من القوة والعدد والعدد، وبالغ في ذلك، فلما وصله وقرأه يوسف أمر كاتبه أبا بكر ابن القصيرة أن يجيبه، وكان كاتباً مفلقاً، فكتب وأجاد، فلما قرأه على أمير المسلمين قال: هذا كتاب طويل، أحضر كتاب الأذفونش واكتب في ظهره: (الذي يكون ستراه) وأرسله إليه، فلما وقف عليه الأذفونش ارتاع له، وعلم أنه بلي برجل لا طاقة له به).

وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان) ونقله صاحب الاستقصا بمعناه (2/ 41):

(فلما تكاملت العساكر بالجزيرة قصدت الأذفونش، وكان نازلاً بمكان أفيح من الأرض يسمى الزلاّقة بالقرب من بطليوس. قال البياسي: بين المكانين أربعة فراسخ؛ وقال أيضاً: إن يوسف بن تاشفين قدم بين يدي حربه كتاباً على مقتضى السنة يعرض عليه الدخول في الإسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: (وبلغنا يا أذفونش أنك دعوت في الاجتماع بك، وتمنيت أن يكون لك فلكٌ تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال). فلما سمع الأذفونش ما كتب إليه جاش بحر غيظه وزاد في ظغيانه وأقسم أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاه).

وكان هذا كله مقدمة لمعركة الزلاقة المجيدة.

ومنهم يعقوب المنصور الموحدي، فقد أرسل إليه الأذفونش رسالة طويلة من إنشاء وزير له من ضعفاء المسلمين يعرف بابن الفخار، تهدد فيها وتوعد. قال فيها (الاستقصا 2/ 186):

(باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته الفصيح، أما بعد فإنه لا يخفى على ذي ذهن ثاقب ولا ذي عقل لازب أنك أمير الملة الحنيفية، كما أني أمير الملة النصرانية، وقد علمت ما عليه رؤساء الأندلس من التخاذل والنكول والتكاسل، وإهمالهم أمر الرعية وإخلادهم إلى الراحة، وأنا أسوسهم بحكم القهر وإخلاء الديار وسبي الذراري، وأمثل بالرجل وأذيقهم عذاب الهوان، وشديد النكال، ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم، إذا مكنتك القدرة وساعدك من عساكرك وجنودك كل ذي رأي وخبرة، وأنتم تزعمون أن الله تعالى قد فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم، والآن خفف الله عنكم، وعلم أن فيكم ضعفاً، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا لا تستطيعون دفاعاً، ولا تملكون امتناعاً، ولقد حكي عنك أنك أخذت في الاحتفال وأشرفت على ربوة القتال، وتماطل نفسك سنة بعد أخرى تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فلا ندري أكان الجبن قد أبطأ بك أم التكذيب بما وعد ربك؟، ثم قيل لي أنك لا تجد إلى الجواز سبيلاً، لعلة لا يسوغ لك التقحم معها، وها أنا أقول لك ما فيه الراحة لك وأعتذر لك وعنك، على أن تفي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهان، وترسل إلى جملة من عبيدك بالمراكب والشواني والطرائد والمسطحات، وأجوز بجملتي إليك فأقاتلك في أعز الأماكن عليك، فإن كانت لك فغنيمة كبيرة جلبت إليك، وهدية عظيمة مثلت بين يديك، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك، واستحققت إمارة الملتين والحكم على البرين. والله تعالى يوفق للسعادة ويسهل الإرادة، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره) (1).

فلما وصل كتابه إلى أمير المؤمنين يعقوب المنصور مزقه وكتب على ظهر قطعة منه – وكان المنصور يضرب به المثل في حسن التوقيع .. -: ((ارجع إليهم فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون). ثم كتب: (الجواب ما ترى لا ما تسمع) فهو أول من تكلم به فأرسله مثلا، وأنشد متمثلا:

ولا كتب إلا المشرفية والقنا ** ولا رسل إلا الخميس العرمرم (2)).

ثم كانت معركة الأرك العظيمة ..

حاشيتان:

(1): ذكرني هذا الخطاب الطويل ببيانات الاستنكار في زمننا هذا، لكن بعد انقلاب الأدوار، بين المسلمين والكفار.

(2): البيت للمتنبي. والمشرفية هي السيوف، والقنا: الرماح، والخميس العرمرم: الجيش الكثيف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير