- ومنهم ـ وهم قِلَّةٌ ـ مَنْ تعرَّضَ لتُراثِنا بشيءٍ مِنَ الموضوعيَّةِ الحياديّةِ والحرفةِ الأكاديمية، على إِعْوازٍ وقُصورٍ يَظهرُ عندَ أَدْنَى تَأمُّلٍ؛ لغربتِهم عن هذا الدينِ، وجَهلهم بلُغَتِهِ التي هي (أُسُّ هذا التُّراثِ ومحوره)، فمن هذا: طباعة كتاب «الوافي بالوفيات» لصلاحِ الدينِ الصّفديِّ، وتأليفِ «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف».
(السبب الثاني)
غيابُ العِلْمِ الشَّرْعِيُّ، وقِلَّةُ الوَعي والمعرفةِ، والجهلُ بمناهجِ عُلماءِ التَّاريخِ وقواعدِهم ذاتِ الصِّلةِ بتدوينِ وسَرْدِ الرواياتِ التاريخيةِ.
فبعضُ العُلماءِ مثلَ الإمامينِ: (الطَّبَرِيِّ وابنِ كثيرٍ) لم يَشْتَرِطوا في كِتَابَيْهِما إيرادَ الصَّحيحِ والإعراضِ عَنِ السَّقيمِ مِنَ المروياتِ والقَصَصِ والوقائعِ والأحْداثِ، بل سَلكوا مَسلكًا وانتهجوا مَنهجًا مُحَدَّدًا أشاروا إليه في مُقدِّماتِ كُتُبِهم؛ ليكونَ القارئُ على بَيِّنَةٍ مِنَ الأمرِ.
لكنَّ الكثيرَ مِنَ المفكرينَ والكَتبَةِ والمُثقّفينِ على وَجْهِ العمومِ؛ كانوا في مَعْزلٍ وما زالوا عن تلكم القواعد والمقدمات، فكان الجهلُ بها وإهمالها سببًا لفقدانِ بحوثهم وكتاباتهم الكثيرَ مِنَ الموضوعيةِ والمصداقية ..
إذن؛ مِنْ الأهميةِ بمكانٍ أنْ نقرأَ مقدمةَ أيِّ كتابٍ ليتضحَ لنا منهجُ كاتبهِ، ولبيانِ حقيقةِ ما أسلَفْنا؛ نسوقُ إليك أخي القارئ مثالًا على أهميةِ الوقوفِ على قواعدِ ومناهجِ كَتَبةِ التاريخِ، وهو: منهج الإمام ابن جَريرٍ الطَّبَريِّ رحمه الله في تاريخه
هوامش الفقرة الأولى
::::::::::::::::::::::::
(1) هذه الأصنافُ الثلاثةُ لا تقومُ بها الحُجَّةُ ولا تفضي إلى التَّصديقِ: -
أخطرُها: (المروياتُ التي لا أصلَ لها): وهي التي ليسَ لها إسنادٌ بمرةٍ، وإنما هو قولٌ يُذكرُ أو يُنسبَ لفلانٍ فيتلقَّفهُ عامّةُ النَّاسِ ويتداولونه.
يليها في الخطورة: (المرويات الموضوعة)؛ وهي التي في أَحدِ رواتِها كَذَّابٌ ثَبَتَ عليهِ الكَذِبُ، فهو يركبُّ الأسانيدَ ويَختلقُ الأحاديثَ والأخبارَ والقصصَ؛ لأسبابٍ شَتَّى ليس هذا موضعَ بسطِها، ولكنَّ أهمها نصرة مذهبهِ، أو يكون فيها راوٍ مَتروكٌ مُتَّهَمٌ بالكَذِبِ؛ لأنَّ أكثر ما يرويه يُشْبِهُ مروياتِ الوضَّاعينَ، ومِن سِمَاتِ هذينِ الصِّنفينِ: أنَّ ما يروونه يكونُ غَريبًا مُنكرًا مُخالِفًا لكتابِ اللهِ الكريمِ والسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وأنهم ينفردُونَ بهذه الأخبار دونَ أنْ يُتَابِعَهُم عليها الرّواةُ الثِّقَاتُ العدولُ، وأنهم أصحابُ بدعٍ وخرافات.
ثُمَّ (المرويات الضعيفة)؛ وهي التي في أحدِ رواتِها ضَعفٌ لأسبابٍ معروفة عندَ أئِمَّةِ الجَرحِ والتعديل، تَمنعُ مِن تصديق ما يرويه أو يُخبرُ به هذا الصِّنفُ إلاَّ إذا تابعَهُ أحدُ الرواةِ الثقاتِ.
(2) ذكرَ العلاَّمةُ بكرُ بنُ عبدِ اللهِ أبو زيدٍ أَوْجُهَ العَبَثِ بالتُّراثِ في كتابهِ الفَذِّ - «الرقابةُ على التُّراثِ دعوةٌ إلى حمايتهِ مِنَ الجنايةِ عليه»، فاسترسلَ في ذكرِها وقال:
«16 - المُتَابَعَةُ لِلَفِيفٍ مِنَ الكُّفَّارِ «المستشرقينَ» بطبعِ كُتُبِ السِّحْرِ، والكَهانَةِ، والتَّنجيمِ، والقَصَصِ الكَاذِبِ، والأَدَبِ المكشوفِ، وكُتُبِ أَهلِ البِدَعِ والأَهواءِ المُضِلَّةِ، كُلٌّ بقَدَرِ ما استنبطَهُ مِنَ الأَهواءِ والشَّهواتِ التي تُضِرُّ الخَلْقَ، وتُغضِبُ الخَالِقَ سُبحانَهُ، وهذا مِنَ الدعوةِ إلى الضلالِ، وفي الحديثِ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» رواه أحمدُ ومُسلمٌ وأصحابُ السُّنَنِ». اه (ص 16 - 17 دار العاصمة).
وأشار - وفقه الله - في الحاشية لشيءٍ مِنْ كَيْدِ «المستشرقينَ»؛ حيثُ قامتْ (جامعةُ السربون) بتبنِّي طباعة كتابِ «الفتوحاتِ المَكِّيّة» لابنِ عَربيٍّ المُلحدِ.
************************************************** ***************
الفقرة الثانية:
*********
¥