إن من المفيد جداً في كتابة التاريخ الإسلامي الرجوع إلى كتب السنة كمصدر موثوق وراجح لأخبار الصدر الأول، لوجود روايات تاريخية كثيرة فيها على درجة عالية من الصحة، ونظراً لأن كتب الحديث خُدمت أكثر من كتب التاريخ من قبل النقاد.
وتتضاعف كمية هذه الأخبار الموثوقة بالرجوع إلى كتب السنن والمسانيد والمصنفات ومعاجم الصحابة وكتب الفضائل والطبقات والتواريخ التي صنفها المحدثون، وكتابات العلماء الذين كانت لهم عناية بشرح كتب الحديث، وذلك أن ثقافتهم الحديثية الممحصة واقتباساتهم من كتب التاريخ المفقودة التي دونها المحدثون الأولون جعلت شروحهم غنية بنصوص تاريخية.
فعلى سبيل المثال يعتبر كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله مثلاً واضحاً لهذه الكتب وهؤلاء العلماء، إذ يشمل من الفوائد التاريخية كمية لا يستهان بها كما هو كتاب حديث.
القاعدة الثانية عشر: معرفة حدود الأخذ من كتب أصحاب الأهواء والفرق.
اعتنى أهل السنة بضبط مذهب الفرق وأقوالهم لتعرف أحوالهم ومواقفهم ويكون المسلم على بينة منها، فلا يخدع من قبلهم، ولأجل هذا لابد للمؤرخ المسلم من التعرف على اتجاهات هؤلاء وعقائدهم، لأن ذلك يمكنه من التعامل مع النصوص التي وأوردوها بما لديه من خلفية عن اتجاهاتهم وآرائهم ومواقفهم، ثم يقارنها بغيرها من الآراء التي عند المؤرخين أو العلماء العدول الثقات.
وعلى ضوء المقابلة والمقارنة بين النصوص ينظر إلى تعصب الراوي من عدمه، فمن لاحت عليه أمارات التحزب أو التحيز لنحلة أو طائفة أو مذهب لا يؤخذ منه في هذه الحال، أما من لا يلحظ عليه التعصب – وإن كان من أهل البدع – وكان صدوقاً في نفسه معروفاً بالورع والتقوى والضبط تقبل روايته.
القاعدة الثالثة عشر: معرفة ضوابط الأخذ من كتب غير المسلمين.
إذا كان للتاريخ الإسلامي قواعد وأصول وضوابط شرعية يجب على المؤرخ المسلم أن يلتزم بها، فذلك يعني الاحتياط عند الأخذ من كتب غير المسلمين، خصوصاً وأن الحرية بلا قيود وبلا ضوابط تلقاها العلمانيون في الغرب أو الشرق، وطبقوها على التاريخ الإسلامي بسبب الاختلاف في التصورات والمفاهيم والمبادئ، مما جعل نتائج أبحاثهم ودراساتهم مناقضة للأحكام الإسلامية، وواقع المجتمع الإسلامي، لهذا فإن القضايا التي تطرحها كتب غير المسلمين من يهود ونصارى وغيرهم، والتي تعالج التاريخ الإسلامي – خصوصاً الصدر الإسلامي الأول – ينبغي أن تدرس بعناية وحذر شديدين، لأنهم لا يصدقون في كثير مما يقولونه عن الإسلام ونظمه ورجاله، ولا يحل وفق ذلك لمسلم أن يروي عنهم أو يأخذ منهم، لا سيما وأن من شروط البحث في هذه القضايا عرض الأقوال والأعمال على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم إذا كان علماء الإسلام لا يثبتون الأحكام بما يرويه المسلم الضعيف الضبط، فكيف يحق لقوم مؤمنين أن يحملوا عن كافر ساقط العدالة ! ويضمر من الحقد والبغضاء لهذا الدين مالا يعلمه إلى الله.
القاعدة الرابعة عشر: مراعاة ظروف العصر الذي وقعت فيه الحادثة.
ينبغي أن نعلم أن بعض تلك الأحداث الواقعة في صدر الإسلام لا يبررها غير ظروفها التي وقعت فيها، فلا نحكم عليها بالعقلية أو الظروف التي نعيش فيها نحن أو بأية ظروف يعيش فيها أصحاب تلك الأحداث، لأن الحكم حينئذ لن يستند إلى مبررات موضوعية، وبالتالي تكون نظرة الحاكم إلى هذه الوقائع غير مطابقة للواقع.
ومن الملاحظ أن الخلط بين الواقع المأساوي الذي يعيشه المسلمون في هذا العصر، وبين واقع المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام يرجع إلى الخطأ في الفهم الناتج في الغالب عن الصورة القاتمة والمغرضة التي يتلقاها النشء عن تاريخ الإسلام وحضارته بواسطة المناهج المحرفة التي تعمم الأحكام وتشوه بذلك التاريخ.
¥