يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في منهاج السنة (4/ 337): والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع.
ويدخل ضمن هذه القاعدة، العدل في وصف الآخرين، والمقصود به هو العدل في ذكر المساوئ والمحاسن والموازنة بينهما.
فمن المعلوم أن أحداً لا يسلم من الخطأ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند (3/ 198): كل بني آدم خطّاء. ولذلك ينبغي للمسلم إذا وصف غيره ألا يغفل المحاسن لوجود بعض المساوئ، كما لا ينبغي أن يدفن المحاسن ويذكر المساوئ لوجود عداوة أو شحناء بينه وبين من يصفه، فالله عز وجل أدبنا بأحسن الأدب وأكمله بقوله {ولا بخسوا الناس أشياءهم}.
وحين نجد من يذم غيره بذكر مساوئه فقط، ويغض النظر عن محاسنه، فإن ذلك يرجع في العادة إلى الحسد والبغضاء، أو إلى الظنون والخلفيات والآراء المسبقة، أو إلى التنافس المذموم، ولكن المنصفين هم الذين يذكرون المرء بما فيه من خير أو شر ولا يبخسونه حقه، ولو كان الموصوف مخالفاً لهم في الدين والاعتقاد أو في المذهب والانتماء.
القاعدة السابعة: العبرة بكثرة الفضائل.
فإن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، وكذلك من غلبت فضائله هفواته اغتفر له ذلك، وفي هذا الصدد يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: وإنما العبرة بكثرة المحاسن. السير (20/ 46).
وهذه قاعدة جليلة تعد بمثابة منهج صحيح في الحكم على الناس، لأن كل إنسان لا يسلم من الخطأ، لكن من قل خطؤه وكثر صوابه فهو على خير كثير، والإنصاف يقتضي أن يغتفر للمرء الخطأ القليل في كثير صوابه.
ومنهج أهل السنة هو اعتبار الغالب على المرء من الصواب أو الخطأ والنظر إليه بعين الإنصاف، وهناك قاعدة أخرى يمكن اعتبارها في هذا الباب وهي كما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/ 412): العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.
القاعدة الثامنة: إحالة الحوادث على الخطأ في الاجتهاد.
نحن لا نعصم فرداً أو مجتمعاً، إلا أن يكون نبياً أو رسولاً، ومن هنا يجب أن نعلم أن الذين صنعوا التاريخ رجال من البشر، يجوز عليهم الخطأ والسهو والنسيان، وإن كانوا من كبار الصحابة وأجلائهم، إلا أنه ينبغي إحالة الحوادث إلى الخطأ في الاجتهاد.
القاعدة التاسعة: الطريقة المثلى في معالجة القضايا والأخطاء.
يلزم دارس التاريخ أن يدرس الظروف التي وقعت فيها أحداثه، والحالة الاجتماعية والاقتصادية التي اكتنفت تلك الأحداث، حتى يكون حكمه أقرب إلى الصواب.
القاعدة العاشرة: الاستعانة بعلم الجرح والتعديل للترجيح بين الروايات المتعارضة وبناء الصورة التاريخية الصحيحة.
ينبغي الاستعانة بمنهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات، فهو الوسيلة المثلى للترجيح بين الروايات المتعارضة، كما أنه خير معين على رفض بعض المتون المضطربة أو الشاذة عن الإطار العام لتاريخ صدر الإسلام.
وعلى هذا الأساس يتم اعتماد الروايات الصحيحة ثم الحسنة لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام، وعند التعارض يقدم الأقوى دائماً، أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى، فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة، على شرط أن تتماشى مع روح المجتمع الإسلامي، ولا تناقض جانباً عقدياً أو شرعياً، لأن القاعدة: التشدد فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة، كما قال الدكتور أكرم ضياء العمري في المجتمع المدني (ص 25).
ومن ناحية ثانية إذا كان أهل الحديث يتساهلون في الرواية عن الضعفاء إن كانت رواياتهم تؤيد أحاديث صحيحة موثقة: فلا بأس إذاً من الأخذ بهذا الجانب في التاريخ، وجعله معياراً ومقياساً إلى تحري الحقائق التاريخية ومعرفتها.
ومن هذا المنطلق تتخذ الأخبار الصحيحة قاعدة يقاس عليها ما ورد عند الإخباريين مثل سيف بن عمر والواقدي وأبي مخنف .. وغيرهم، فما اتفق معها مما أورده هؤلاء تلقيناه بالقبول، وما خالفها تركناه ونبذناه.
القاعدة الحادية عشر: الرجوع إلى كتب السنة كمصدر مهم لأخبار صدر الإسلام.
¥