أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/ 240)، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20)، والفرزدق في ديوانه (ص 242 - 243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة (همدان)، و همدان بطن من كهلان من القحطانية و هم بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، و كانت ديارهم باليمن من شرقيه. معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/ 1225). فهو (عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني) كما عند البلاذري، و (عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني) كما عند الأشعري القمي، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق و من انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ) و يصفهم بالسبئية حيث يقول:
كأن على دير الجماجم منهم ... حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية ... و تُكره عينيها على ما تنكّرا. الخ.
و يروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق (ص 235)، أن ابن سبأ من أهل (الحيرة)، قال: إن عبدالله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها، و كان أصله من يهود الحيرة، فأظهر الإسلام.
و يروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 190)، أن أصل ابن سبأ من الروم، فيقول: و كان أصله رومياً فأظهر الإسلام و أحدث بدعاً قولية و فعلية قبحه الله.
أما الطبري و ابن عساكر، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن. قال الطبري في تاريخه (4/ 340): كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء. و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (29/ 3): عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهودياً.
و الذي أميل إليه و أرجحه هو: أن ابن سبأ من اليمن؛ و ذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ، و لو نظرنا في الأقوال السابقة لم نجد تعارضاً بين هذا القول و بين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة (حمير)، و القول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة (همدان)، إذ القبيلتان من اليمن، و لم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى (الحيرة)،و ابن كثير الذي ذكر أنه (رومي) الأصل.
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ، فظن أنهما شخصان، يقول: و قد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها .. ثم تحدث عن ابن السوداء و مقالته في علي رضي الله عنه، إلى أن قال: فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – و من قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس، نفاهما إلى المدائن، فافتتن بهما الرعاع. الفرق بين الفرق (ص 235).
والذي ذكر أنه من أهل الحيرة هو عبد الله بن السوداء و لم يتعرض لابن سبأ بشيء، لهذا لا يمكننا أن نجزم بأن البغدادي نسب ابن سبأ المشهور في كتب الفرق و مؤسس فرقة السبأية إلى الحيرة، فلعله قصد شخصاً آخر غيره، و مما يدل على أنه لا يعني ابن سبأ، أنه قال عند حديثه عن عبد الله بن السوداء: (كان يعين السبأية على قولها)، فدل على أنه غير مؤسس السبأية.
أما ابن كثير فلا أعلم أحداً من المؤرخين وأصحاب المقالات وافقه في نسبة ابن سبأ إلى (الروم)، و قد جاء في بعض النسخ المطبوعة من البداية والنهاية كلمة (ذمياً) بدل (رومياً) انظر الطبعة الثانية (7/ 173) مكتبة المعارف، فلعل أصل الكلمة ذمياً و لكن حدث في الكلمة تصحيف من قبل النساخ، وكون ابن سبأ ذمياً لا ينافي ما تناقله العلماء من كونه يهودياً. و لهذا لا يعارض قوله هذا ما اشتهر نقله في كتب التاريخ والفرق من أن أصل ابن سبأ من اليمن.
فترجح بهذا أن ابن سبأ من اليمن و نحن لا نقطع بنسبته إلى قبيلة معينة لعدم توفر الأدلة على ذلك. و الله أعلم.
و قد اختلف المؤرخون وأصحاب المقالات أيضاً في نسبة ابن سبأ لأبيه، فمنهم من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه إلى (وهب) كما عند البلاذري في أنساب الأشراف (5/ 240)، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) والذهبي في المشتبه في الرجال (1/ 346) و المقريزي في الخطط (2/ 356).
¥