4 - ورد في صحيح البخاري (2/ 111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر و معاوية، و ليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ، فعن زيد بن وهب قال: (مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا و فيهم، فكان بيني و بينه في ذلك، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل .. ).
5 - و في أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة، و لكن شيئاً من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر. الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 214) و أسد الغابة لابن الأثير (1/ 357) والإصابة لابن حجر (4/ 62).
6 - وأخيراً فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى و لو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود.
ظهور ابن سبأ في مصر:-
على ضوء استقراء النصوص السابقة، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة، و إذا كان ظهوره في البصرة سنة (33هـ)، ثم أخرج منها إلى الكوفة، و من الكوفة استقر بمصر، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة (34هـ)، لأن دخوله البصرة و طرحه لأفكاره فيها و تعريجه على الكوفة ثم طرده منها، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر .. كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل، و يؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 284)، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ)، و تابعه في ذلك السيوطي أيضاً في حسن المحاضرة (2/ 164)، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ.
أحبتي في الله استكمالاً لما بدأناه من هذه الحلقات، سنقف إن شاء الله و على حلقتين متتاليتين، على ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة (السنية والشيعية، المتقدمة منها والمعاصرة)؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ، و ما ينسب إليه من أعمال، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث:-
أولاً: من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين ..
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة:-
1 - جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان (ت 84هـ) في ديوانه (ص 148) و تاريخ الطبري (6/ 83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله:
شهدت عليكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف.
2 - و جاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/ 345 - 361)، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن، و ذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي: (و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس). رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان (ص 249).
3 - و هناك رواية عن الشعبي (ت 103هـ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/ 7)، تفيد أن: (أول من كذب عبد الله بن سبأ).
4 - و هذا الفرزدق (ت 116هـ) يهجو في ديوانه (ص 242 - 243)، أشراف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم، و يصفهم بالسبئية، حيث يقول:
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها عليها تراب في دم قد تعفّرا
و يمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية و مذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف، صاحب المذهب.
¥