الثانية: البدهيات العقلية ثابتة لا تتخلف (كاستحالة اجتماع النقيضين) وبناء على ذلك يجب أن تكون "المعجزة " خارقة للعادة جائزة عقلاً فالشيخ إن لم يجد للتأويل سبيلاً يؤمن بالمعجزة على ظاهرها، لكن هذه المعجزات انتهت بختم النبوة وأضحت السنن الكونية ثابتة لا تتغير لأي بشر ومن ثم فهو لا يؤمن بالكرامات " الخارقة " ذلك أن الناس دخلوا في مرحلة الرشد.
ومن تأويلاته قوله: إن " الحجارة من سجّيل " في حادثة الفيل هي مرض " الجدري والحصبة " مستندًا إلى قول عكرمة ويعقوب بن عتبة إن أول ما ظهر الجدري في شبه الجزيرة ذلك العام. [انظر: محمد عمارة، الأعمال الكاملة، (م. س) ج 3، ص 373]
لكن ذلك التأويل وإن كان له مستند تاريخي فإنه يخالف قانون اللغة وهو أن الحجر هو الحجر.
إن التأويل الذي أجراه محمد عبده في مواضع كثيرة لم يخل من " إسقاطات " ظاهرة في محاولة لعقلنة المعجزات وإن كان بعضه محتملاً كتأويله جنة آدم التي خرج منها بالبستان مستدلاً بالمعنى اللغوي للجنة وبالقرينة " اهبطوا " والأصل فيها النزول من مكان مرتفع وليس بالضرورة أن يكون من السماء ويشهد لذلك قوله تعالى: (اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم).
أما رشيد رضا وشيخ الأزهر الأسبق مصطفى المراغي فينتهجان منهج الشيخ عبده ويؤكدان على أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن وحده ويستشهدون بآيات سورة الإسراء [90 - 93]. [انظر كتاب الوحي المحمدي لرشيد رضا، ومقدمة المراغي لكتاب حياة محمد لهيكل] وهو ما ذهب إليه هيكل نفسه.
ويذهب الشيخ الخضري إلى الرأي القائل: إن الإسراء والمعراج كان بالروح فقط وليس بالجسد وهو رأي قديم.
أما هيكل في كتابه " حياة محمد " فهو يمثل بامتياز " المدرسة العقلية " فهو منذ البداية يقول عن كتابه: " إنها دراسة علمية على الطريقة الغربية الحديثة " يقصد وفق التفسير المادي الوضعي ومن ثم فهو " يسرف " في تأويلاته فالحجارة في حادث الفيل الحصبة والجدري، و قصة " شق الصدر " مختلَقَه تبعًا لموير ودرمنغم وغيرهما والإسراء بالروح فقط إلى غير ذلك.
تأثر هيكل بالمستشرقين ووافقهم في بعض آرائهم أمثال موير ولامنس وسبق أن لا منس على الخصوص يسوعي مفعم بالكره للإسلام ونبي الإسلام على حد قول درمنغم!
إن هيكل يركز في كتابه هذا على الجانب الإنساني " البشري " من حياة " النبي " صلى الله عليه وسلم ومن هنا أتت التسمية " حياة محمد " التي استعارها من وليم موير في كتابه " حياة محمد ".
هذه أهم المناهج التي خضعت لها السيرة النبوية، وإننا إذ نختم بحثنا نؤكد على ضرورة إعادة كتابة السيرة " التطبيق العملي للإسلام " وفق مناهج جديدة تجمع بين دقة المنهج العلمي وصحة الأخبار من جهة، وبين عمق الإيمان بنبوة صاحب السيرة صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى.
يجب أن ندرس السيرة النبوية من جميع جوانبها (النبوية والبشرية)، فندرس حياة محمد صلى الله عليه وسلم بوصفه نبيًا، وإمامًا (قائد دولة)، ومفتيًا، وقاضيًا، وإنساناً (زوجًا، وأبًا، وجدًا) كما ينبغي دراسة تفاعلات هذه النواحي فيما بينها لدراسة أثر " الوحي " و " الفكرة الدينية" في عملية بناء وتغيير المجتمعات.
ـ[ابوخالد الكويتي]ــــــــ[20 - 03 - 07, 05:48 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك
ـ[أمة الوهاب شميسة]ــــــــ[22 - 12 - 10, 05:35 م]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع بكم.