تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن تلك الدراسات الاستشراقية الكثيرة التي عملت على احتواء الشرق الإسلامي ساهمت كثيرًا في تكوين الوعي الغربي وفق الصورة التي رسمتها عن الشرق، وكان لها كبير الأثر في تعويق الغربي وتحصينه ضد الإسلام الذي كان - ولا يزال - يوصف بـ " دين الأتراك " أو "العقيدة التركية " ويوصف النبي بـ " نبي الأتراك " [تلك هي عبارات كل من ميشيل بودييه، وبفانموللر، وليسنج وغيرهم. انظر: بفانموللر، الفصول المترجمة، مجلة السنة والسيرة ع/ 2 ص 114، 115، 117، 124] وذلك يحمل من الإيحاءات وبذور العداء الشيء الكثير مما يساهم في إذكاء " الصراع" بين الإسلام والغرب. وإذا كانت تلك الجهود والدراسات كتبت بلغة الغربي نفسه مما يعني أنها كانت موجهة إليه (خاصة) فإنها في بدايات هذا القرن تحولت إلى المسلم نفسه من خلال المستشرقين الذين طوّفوا البلاد العربية وتبوؤا بعض مناصب التعليم في الجامعات، وأخيرًا من خلال المؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة لتذويب القيم الإسلامية من خلال قضايا " المرأة والأسرة " في محاولة لفرض " النموذج الغربي " والأمريكي خصوصًا.

7 - منهج المدرسة الإصلاحية في كتابة السيرة:

كان من نتائج احتكاك العرب بالغرب وأبحاث المستشرقين أن حدث جدل واسع أثار الكثير من الإشكاليات في حقل العلوم الإسلامية، ومنها قضايا "الوحي " و" المعجزات " وغير ذلك. وكان أن برز الشيخ محمد عبده رحمه الله وحاول أن ينهض بالتعليم الأزهري والعلوم الإسلامية على أسس "حديثة " متأثرًا بالنهضة الغربية، ومحمد عبده لم يكتب في السيرة لكنه تعرض في تفسيره وغيره لقضية " الوحي " و " المعجزات " وهما من ركائز السيرة وأساس " النبوة "، وكان أن تأثر به عدد من علماء عصره ومن بعدهم مثل رشيد رضا وأحمد أمين ومصطفى المراغي ومحمد حسين هيكل ومحمد فريد وجدي ومحمود شلتوت، ومحمد الخضري، ومحمد الغزالي، وغيرهم فنشأ ما سُمّي " المدرسة الإصلاحية ".

يُعرف الشيخ محمد عبده الوحي بأنه " عرفان يجده الشخص من نفسه ... " [محمد عمارة، الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1979، ج3، ص415] في حين استقر تعريفه عند العلماء على أنه " إعلام الله تعالى أحد خلقه ... " بمعنى أن محمد عبده يجعل المعرفة ذاتية في حين يرى العلماء أن المعرفة خارجة عن ذات " النبي ". هنا نجد أن محمد عبده يجري مراجعة " جذرية " للعلوم الإسلامية من خلال التأسيس لمرجعية العقل وتحرير العلاقة بين العقل والوحي، فإذا تعارض العقل مع النقل قُدِّم العقل ويبقى في النقل طريقان:

الأول: التسليم بصحة النقل مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه (المتشابه).

الثاني: تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة. [انظر محمد عمارة، الأعمال الكاملة، (م. س) ج3، ص282].

لكننا نجد أن رواد المدرسة الإصلاحية نهجوا الطريق الثاني (التأويل). وهذا يتعارض مع منهج المدرسة الأثرية (أصحاب الحديث) الذين يقدمون النص على العقل مطلقًا [انظر: ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، تح. عبد اللطيف عبد الرحمن، بيروت، الكتب العلمية، ط 1، 1997، ج1، ص 4] ومن ثم فإن قضية " المعجزات " مما يتعارض فيه العقل مع النقل وفق رؤية " المدرسة الإصلاحية " فكان الخلص من ذلك هو " التأويل " لدرء ذلك التعارض.

سنحاول تأصيل موقف الشيخ محمد عبده من المعجزات وفق فهمنا له ثم نعرض لنموذج من تأويلاته [انظر كلام محمد عبده في المعجزات في: محمد عمارة، الأعمال الكاملة، (م. س) ج4، ص 183، ومقدمة كتابه: الإسلام والنصرانية].

يقوم موقف محمد عبده على مقدمتين:

الأولى: السنن الكونية ثابتة لا تتغير (ولن تجد لسنة الله تبديلاً) [الأحزاب: 62] [الفتح: 23] (ولا تجد لسنة الله تحويلاً) [الإسراء: 77].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير