تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما منا من احد الا وقد علم مقعده من الجنة او من النار

أقول: لا شك في ذلك أنه ما من أحد إلا وقد علم الله مقعده من الجنة أو من النار, ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار). فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة). ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى). لكن ليس في هذا ما يدل على الدعوى من أن بعض الناس سيدخل النار بدون ذنب اقترفه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله علم أهل الجنة من أهل النار, وأنه كتب ذلك, ونهاهم أن يتكلوا على هذا الكتاب, ويَدَعوا العمل كما يفعله الملحدون, وقال: كل ميسر لما خلق له, وإن أهل السعادة ميسرون لعمل أهل السعادة, وأهل الشقاوة ميسرون لعمل أهل الشقاوة, وهذا من أحسن ما يكون من البيان. وذلك أن الله سبحانه وتعالى يعلم الأمور على ما هي عليه, وهو قد جعل للأشياء أسبابا تكون بها, فيعلم أنها تكون بتلك الأسباب, كما يعلم أن هذا يولد له, بأن يطأ امرأة فيحبلها, فلو قال هذا: إذا علم الله أنه يولد لي فلا حاجة إلى الوطء, كان أحمق؛ لأن الله علم أن سيكون بما يقدره من الوطء. وكذلك إذا علم أن هذا ينبت له الزرع بما يسقيه من الماء, ويبذره من الحب, فلو قال: إذا علم أن سيكون فلا حاجة إلى البذر, كان جاهلا ضالا؛ لأن الله علم أن سيكون بذلك, وكذلك إذا علم الله أن هذا يشبع بالأكل, وهذا يروى بالشرب, وهذا يموت بالقتل فلا بد من الأسباب التي علم الله أن هذه الأمور تكون بها, وكذلك إذا علم أن هذا يكون سعيدا في الآخرة, وهذا شقيا في الآخرة, قلنا: ذلك لأنه يعمل بعمل الأشقياء, فالله علم أنه يشقى بهذا العمل, فلو قيل: هو شقي وإن لم يعمل كان باطلا؛ لأن الله لا يدخل النار أحدا إلا بذنبه, كما قال تعالى: " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " فأقسم أنه يملؤها من إبليس وأتباعه, ومن اتبع إبليس فقد عصى الله تعالى, ولا يعاقب الله العبد على ما علم أنه يعمله حتى يعمله. ولهذا لما (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين. قال: الله أعلم بما كانوا عاملين) يعني أن الله يعلم ما يعملون لو بلغوا, وقد روي أنهم في القيامة يبعث إليهم رسول فمن أطاعه دخل الجنة, ومن عصاه دخل النار, فيظهر ما علمه فيهم من الطاعة والمعصية. انتهى.

وقولك حفظك الله:

وليس احد يدري في اي القبضتين من قبضتي الرحمن كان يوم قال: هؤلاء في الجنة ولا ابالي وهؤلاء في النار ولا ابالي

أقول: جاء عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله خلق آدم, ثم أخذ الخلق من ظهره, ثم قال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالى, وهؤلاء إلى النار ولا أبالى قيل: يا رسول الله, على ماذا نعمل قال على مواقع القدر. رواه أحمد وغيره. وعن أبي نضرة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله تبارك و تعالى قبض قبضة بيمينه فقال: هذه لهذه ولا أبالي, وقبض قبضة أخرى، يعني: بيده الأخرى، فقال: هذه لهذه ولا أبالي ". رواه أحمد.

قال الشيخ الألباني في معرض كلامه على هذا الحديث: "قد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى, أو حظ, فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة، و من كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة، فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله (ليس كمثله شيء) لا في ذاته و لا في صفاته، فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وعدله وحكمته، فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته، وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته, و يستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى، والعكس بالعكس، كيف والله عز وجل يقول: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون). ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة, أو من أهل النار، بل هو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير