تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن تاريخ القرآن واضح كل الوضوح، ومعروف كل المعرفة، لم تمر عليه فترات غموض، أو فترات اضطراب، كما هو الشأن فى عهدى الكتاب المقدس التوراة والإنجيل. وما خضعا له من أوضاع لا يمكن قياسها على تاريخ القرآن، فليس لخصوم القرآن أى سبب معقول أو مقبول فى اتخاذهم مراحل جمع القرآن منافذ للطعن فيه، أو مبررًا يبررون به ما اعترى كتابهم المقدس من آفات تاريخية، وغموض شديد الإعتام صاحب وما يزال يصاحب، واقعيات التوراة والأناجيل نشأة، وتدوينًا، واختلافًا واسع المدى، فى الجوهر والأعراض التى قامت به.

وقد بقى علينا من عناصر شبهاتهم حول جمع القرآن ومراحله ما سبقت الإشارة إليه من قبل، وهى: النقط والضبط وعلامات الوقف.

المراد بالنَقْط هو وضع النُّقط فوق الحروف أو تحتها مثل نقطة النون ونقطة الباء.

أما الضبط فهو وضع الحركات الأربع: الضمة والفتحة والكسرة والسكون فوق الحروف أو تحتها حسب النطق الصوتى للكلمة. حسبما تقتضيه قواعد النحو والصرف.

أما علامات الوقف فهى كالنقط والضبط توضع فوق نهاية الكلمة التى يجوز الوقف عليها أو وصلها بما بعدها. وهذه الأنواع الثلاثة يُلحظ فيها ملحظان عامَّان:

الأول: أنها لا تمس جسم الكلمة من قريب أو من بعيد ولا تغير من هيكل الرسم العثمانى للكلمات، بل هى زيادة إضافية خارجة عن " متون " (أصول) الكلمات.

الثانى: أنها كلها أدوات أو علامات اجتلبت لخدمة النص القرآنى، ولتلاوته صوتيًا تلاوة متقنة أو بعبارة أخرى:

هى وسائل إيضاح اصطلاحية متفق عليها تعين قارئ القرآن على أدائه أداء صوتيًا محكمًا، وليست هى من عناصر التنزيل، ولو جرد المصحف منها ما نقص كلام الله شيئًا. وقد كان كتاب الله قبل إدخال هذه العلامات هو هو كتاب الله، إذن فليست هى تغييرًا أو تبديلاً أو تحريفًا أدخل على كتاب الله فأضاع معالمه، كما يزعم خصوم القرآن الموتورون.

فالنقط أضيفت إلى رسم المصحف للتمييز بين الحروف المتماثلة كالجيم والحاء والخاء، والباء والتاء والثاء والنون والسين والشين، والطاء والظاء والفاء والقاف والعين والغين، والصاد والضاد.

وقبل إضافة النقط إلى الحروف كان السماع قائماً مقامها، لأن حفاظ القرآن المتقنين المجوِّدين ليسوا فى حاجة إلى هذه العلامات، لأنهم يحفظون كتاب ربهم غضًا طريًا كما أنزله الله على خاتم رسله، أمَّا غير الحفاظ ممن لا يستغنون عن النظر فى المصحف فهذه العلامات النقطية والضبطية والوقفية ترشدهم إلى التلاوة المثلى، وتقدم لهم خدمات جليلة فى النظر فى المصحف؛ لأنها كما قلنا من قبل وسائل إيضاح لقراء المصحف الشريف.

فمثلاً نقط الحروف وقاية من الوقوع فى أخطاء لا حصر لها، ولنأخذ لذلك مثالاً واحدًا هو قوله تعالى: (كمثل جنة بربوة).

لو تركت " جنة " بغير نقط ولا ضبط لوقع القارئ غير الحافظ فى أخطاء كثيرة؛ لأنها تصلح أن تنطق على عدة احتمالات، مثل: حَبَّة حية حِنَّة خبَّة جُنة حِتة خيَّة جيَّة حبة جبَّة.

ولكن لما نقطت حروفها، وضُبطت كلماتها اتضح المراد منها وتحدد تحديدًا دقيقًا، طاردًا كل الاحتمالات غير المرادة.

وأول من نقط حروف المصحف جماعة من التابعين كان أشهرهم أبوالأسود الدؤلى، ونصر بن عاصم الليثى، ويحيى بن يَعْمُر، والخليل ابن أحمد، وكلهم من كبار التابعين.

والخلاصة: أن نقط حروف الكلمات القرآنية، وضبط كلمات آياته ليس من التنزيل، وأنه حدث فى عصر كبار التابعين، وإلحاق ذلك بالمصحف ليس تحريفًا ولا تعديلاً لكلام القرآن.

وهو من البدع الحسنة وقد أجازه العلماء لأن فيه تيسيرًا على قُرَّاء كتاب الله العزيز، وإعانة لهم على تلاوته تلاوة متقنة محكمة، وهو من المصالح المرسلة، التى سكت الشرع عنها فلم يأمر بها ولم ينه عنها.

وتحقيق المصلحة يقوم مقام الأمر بها، ووقوع المضرة يقوم مقام النهى عنها.

وهذه سمة من سمات مرونة الشريعة الإسلامية العادلة الرحيمة. أما علامات الوقف فلها أدوار إيجابية فى إرشاد قراء القرآن وتوجيههم إلى كيفية التعامل مع الجمل والتراكيب القرآنية حين تُتلى فى صلاة أو فى غير صلاة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير