ان السبب ليس كما يقال: كلمة الحق يراد بها الباطل! بل , القرآن يحتل المرتبة الأولى والعليا باعتباره كتابا مقدسا للدين , ومن هنا يعتبر منطلقا أساسيا لفهم الدين ولدراسته. وكذلك أيضا عند المسلمين: أليس القرآن هو البداية والنهاية لجميع أمور الناس في حياتهم اليومية ومعاملاتهم بعضهم البعض وما بعدها في ايمانهم بالآخرة؟
الفرق بين هؤلاء وأولائك أن الأول لا يبحث حسب معايير القواعد العقائدية الثابتة (كما قلت سابقا) بل يبحث في القرآن باعتباره الوثيقة العليا نصا لهذه الحضارة التي لا يشك في عظمتها الا الضال والمضل في الفئات والفرق الدينية السابق ذكرها!
الاهتمام بالقرآن وبعلومه اذا مفروض وفهمه واجب (حسب القدرة!) والبحث فيه
من الضروريات العلمية الملحة على كل من يود التقارب الى هذا الدين علميا (ولا أقول روحيا .... وأرجو التمييز في هذا الموضع بالذات).
لقد ازداد اهتمام بعض المستشرقين المعاصرين بالقرآن في الأعوام العشرة أو أكثر الماضية وقام بعضهم في دراسات لغوية وتحليلية حول نص القرآن وعرضوا أبحاثا لا بأس بها حول النحو والتفسير في القرون الأولى للاسلام (المدارس النحوية في البصرة والكوفة) ,
وقام البعض الآخر بدراسات تأريخية حول روايات كتب التفسير وتحديد نشأتها تاريخيا
(وقد هاجموني أنا شخصيا فيها لرأئي المغاير لهم .... لكن هذا سيكون موضوعا آخر) ,
كما درس الآخرون النص وميزات السور المكية والمدنية من ناحية اللغة فيها.
لا أذكر في هذه الدراسات شيئا من الطعن.
هكذا الأمر في حضارة النصارى: الاهتمام في (انجيل) مستمر كما الاهتمام بالتوراة لدى اليهود مستمر أيضا. هنا عند النصارى وهناك عند اليهود فرقتان: احداهما يدرس الكتاب من الناحية الدينية فقط
والأخرى يدرسه من الناحية العلمية التأريخية اللغوية فيترك الايمان ايمانا ويفضل
في ذلك العلم علما.
الدراسات حول الانجيل تملي مكتبات , وهي دراسات موضوعية ومتناقضة بعضها البعض حول فهم النص وتأريخه كما هو بين يدينا اليوم. وليس في ذلك شيء من الحرج , بل هذه دراسات تعتبر من المواد العلمية في الدراسة في كليات الجامعات
منذ أكثر من 100 عام. أما الفريق الآخر فيتمسك بمفاهيم الايمان لما جاء في هذه الكتب.
وهكذا الأمر في دراسات المستشرقين حول القرآن وعلومه.
لتجنب سوء التفاهم بين أعضاء الكرام في هذا الملتقى وبين ما ذكرت هنا في سطور سريعة أود أن أبرز انني لا أدافع عن أحد له نصيب في صنعة الاستشراق قديما كان أو حديثا , الا أنني أرجو وأتمنى أن يحترم المرء الرأي الآخر ويضع في عين الاعتبار أن هذا الآخر لا يتركز على القواعد العقائدية بالضرورة عندما يدرس الكتب المقدسة للأديان عامة.
ولهذه المشاركة أيضا ربما (!) تتمة.
موراني
ـ[موراني]ــــــــ[17 Jun 2004, 06:17 م]ـ
كما جاء ذكره من قبل نشر المستشرق نولدكه Nöldeke كتابه (تأريخ القرآن) عام 1860 الذي عالج فيه بمنهجه العلمي وباعتبراه لغويا تأريخ السور والآيات. ولا شك أن كتابه هذا جاء اساسا هاما للأبحاث الأخرى في هذا المجال.
وقد أعيد طبع الكتاب عام 1938 على يد برجشترسير Bergsträsser وغيره بعد تنقيهه واستكماله. وقد أدى اهتمام برجشترسير بنص القرآن الى اهتمامه بالقراءات فنشر بعض المصادر في هذا العلم مثل:
المختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه (وأعيد طبع هذا الكتاب عدة مرات في العالم العربي) ,
كتاب غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري
الا أن وفاة المبكر والمفاجيء (سقط في الجبال في ثلج الشتاء) حال دون اتمام مشروعه فقام تلميذه بريتسل Pretzel بمتابعة ما ترك أستاذه من الأعمال ونشر كتاب التيسير في القراءات والمقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار للداني.
والجدير بالذكر أن الكتب المذكورة أعلاه قد نشرت لأول مرة على الاطلاق وهي عبارة عن اهتمام المستشرقين بنص القرآن ولغته اكثر منه بالمسائل العقائدية الدينية فيه.
لقد لاحظ المستشرقون في القرن الماضي أن الترجمات التي جاءت بها القرون الماضية (تقريبا من القرن 16 وما بعده) كانت مليئة بالأخطاء التي نجمت عن عدم فهم النص فهما سليما. ورفضت دوائر المستشرقين الأخذ بهذه الترجمات للقرآن ونصحت بعدم الرجوع اليها قائلة انّ أخطاْ الترجمة قد أدت الى اساءة فهم النص والى اساءة الدين (مثل الاستاذ فيشر Fischer الذي قدم بحثا في هذا الموضوع وناقش ترجمة سورة المسد ورفضها رفضا تاما).
ربما من أهم الكتب التي الفت في مجال دراسات اللغة في القرآن , واللغة الفصحى بصورة عامة , هو كتاب (العربية) للمستشرق فوك Fück عام 1950. وبعد عام واحد من صدوره ترجم الكتاب الى العربية , وقام بترجمته الدكتور عبد الحليم النجار. وظهرت أيضا ترجمة فرنسية له ضمن نشرات معهد الأبحاث العليا بالرباط (المغرب).
ربما يجد أعضاء هذا الملتقى سبيلا الى شراء النص العربي لهذا الكتاب وهو حسب علمي غير موجود في ألمانيا.
موراني
¥