تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا ما يمنع العلماء المسلمين من التطرق لهذه المسألة بروح موضوعية و من خلال البحث في المعطيات الخالصة بل نلاحظ أن هناك رغبة مسبقة في البرهنة بأي وسيلة كانت على الشعور السائد الذي يتمثل في الفرضية القائلة إن نص القرآن بقي محفوظا بطريقة مثالية. لذلك فإن العاطفة تلعب الدور الأهم كلما تعلق الأمر بموضوع القرآن و ليس من المستغرب أن نجد العلماء المسلمين الثلاثة المذكورين سالفا لا يستطيعون التعامل معي و مع كتاباتي على مستوى البحث العلمي المحض و لا على مستوى الوقائع. لهذا نجد الدكتور كوكب الصديق في مقدمة مقاله المعنون "يقول داعية الكذب المسيحي إن القرآن ليس قول الله" (مجلة البلاغ ‚ مجلد 11 عدد 1 فبراير/مارس 1986) يحاول مهاجمتي بكل ما أوتي من حسن اللسان حيث يقول "السيد جلكرايست يحاول تحطيم البنيان القوي للقرآن من خلال جدال حقير لا يليق بالمسألة. الطريقة التي يستعملها توضح لنا هزالة الوسائل التي بحوزته و الوقاحة التي تميز تهجمه تظهر لنا أنه يستند الى استغلال فرصة عدم وجود أية دراية بالموضوع لدى المسلمين" في حين يصفني ناشر المجلة بأنني "عدو صريح للإسلام يهذف إلى تحطيم بنيانه".

مقال السيد عبد القادر عبد الصمد نشر تحديدا في العدد الموالي لنفس المجلة تحت عنوان "كيف تم جمع القرآن؟ " (مجلة البلاغ ‚ مجلد 11 عدد 2 ماي/يونيه 1986). في نهاية هذا المقال يصف الكاتب الباحثين من أمثالي بأنهم "أعداء القرآن المجنونون" تحركهم "الغيرة و البغض و العداء و النوايا السَّامة" لا غير.

أما مولانا ديزاي فقد اعتبر هو كذلك في منشور له تحت عنوان "القرآن فوق كل اتهام" أنه من الضروري فضح محاولتي و استغنى عن تقديم الدلائل على مزاعمه و اكتفى بالشتم. يزعم هذا الكاتب أنني "قررت نفي أصالة القرآن المجيد" عوض أن يتخد منهجا أكثر توازنا قد يؤدي به لا محالة الى اعتبار أنني حاولت فقط أن أركز على المعطيات المتعلقة بموضوع جمع القرآن بدون أية فكرة مسبقة. فقد ذهب الى حد القول إن "مزاعمه لا أساس لها" و في مكان ما يقول "إن جلكرايست سيلعن نفسه" و في مكان آخر يتهمني بأني أعاني من "جهل كبير" وبأنني "ذو عقلية لا تقبل النقاش".

ردود فعل انفعالية مثل هذه تكشف عن خوف العلماء المسلمين من أية دراسة تاريخية محضة لموضوع جمع القرآن نظرا لأنها قد تؤدي إلى نفي ما يزعم من أن القرآن جُمع و احتُفظ به في ظروف مثالية.

في هذا الكتاب سأبدل كل جهدي لمعرفة الى أي حد تم نقل و توصيل النص القرآني بطريقة كاملة و دقيقة. هذه الدراسة لن تكون إلا إبرازا للمعطيات المدوَّنة. إن مسألة الأصل الإلهي للقرآن لا يمكن حلها باعتبار طريقة نقله و توصيله و إنما تكون بدراسة مضمونه و تعاليمه. ما يهمنا هنا هو فقط استخلاص الدقة التي تم بها تأليفه و جمعه. أما إذا كان هناك علماء مسلمون كالذين تم ذكرهم سالفا يشعرون أن دراسة مثل هذه تحطم اقتناعاتهم بأن القرآن من عند الله (ديزاي يتهمني مرارا بأنني أهدف الى "نفي سلامة القرآن الشريف من التحريف") فهذه مشكلتهم لأنهم ينطلقون من الفرضية القائلة بأن جمعا و نقلا مثاليين يضمنان الأصل الالهي لكتاب ما.

لا أجد مبررا للرد على هؤلاء العلماء المسلمين بعبارات شاتمة كالتي استعملوها ضدي لأنني أمتلك الحرية الكاملة للخوض في هذا الموضوع بدون أية عراقيل نفسية و بدون أية فرضية أو فكرة مسبقة. زيادة على هذا فأنا أعتقد أنه إذا لم يكن كتاب ما من عند الله فلا يمكن لأي دليل كيفما كان نوعه أن يغير هذا الامر. إن هؤلاء العلماء يحاولون البرهنة على فرضية محضة و هذا ما يتضح من خلال طريقة تعاملهم مع الموضوع. كل واحد منهم حاول التطرق للمسألة بشكل جد مختلف عن الآخرين. الصديق و ديزاي يتناقضان بشكل مكشوف في نقاط عديدة بالرغم من أن كلاهما يحاول التوصل لنفس النتيجة ألا و هي كمال النص القرآني و خلوه من النقصان. هذه المعضلة لا يمكن تفسيرها إلا بشيء واحد و هو أنهما يبذلان جهذهما للانتهاء إلى حيث بدءا أو بعبارة أخرى للرجوع في النهاية إلى ما افترضاه في البداية و هو ما ذكر سالفا.

من المفيد أن نقوم بجرد سريع لمواقف هؤلاء العلماء كل واحد على حدة:

1 - الدكتور كوكب الصديق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير