الصديق يتخد الموقف الاسلامي الرسمي. العبارة "نص واحد لا اختلاف فيه" هي ما عَنْوَنَ به جزأ من مقاله و هو ما يلخص مراده بوضوح. الفرضية تتجلى في القول بوجود نص قرآني واحد لم يضف إليه شيء و لم يقتطع منه شيء و لم يكن أبدا أي اختلاف في طريقة قرآءته. لقد كان على هذا الكاتب أن يقدم بعض الاستفسارات حول ما جاء في الحديث النبوي (وهو من أقدم ما دُوِّن في موضوع جمع القرآن) بخصوص حرق الخليفة عثمان لجميع المصاحف القرآنية باستثناء مصحف حفصة (1) بسبب وجود اختلافات عديدة في كيفية قرآءة القرآن في المناطق المختلفة التي كانت تحت النفوذ الاسلامي. الصديق يزعم أن الاختلافات همت فقط طريقة تلاوة النص و هذا برهان يَسْتَدِل به زمرة من العلماء المسلمون. سنرى فيما بعد أن هذا التدليل غير مقنع بل لا أساس له من الصحة. الصديق يفضل السكوت عن الأحاديث النبوية التي تظهر بوضوح أن القرآن الذي هو اليوم بين أيدينا هو بشكل أو بآخر غير مكتمل.
2 - عبد الصمد عبد القادر
يفضل هذا الباحث المرور مَرَّ الكرام على الأدلة الثاقبة التي يمكن استخلاصها من الحديث النبوي كما لو كانت غير موجودة بتاتاً و لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لها في مقاله. بالمقابل نجده يحاول البرهنة على أن القرآن يحتوي على شهادة كافية بخصوص طريقة جمعه. سأتطرق إلى هذه المسألة في نهاية الجزء الرئيسي من هذا الكتاب مع العلم أنه عموما لا يؤثر على الموضوع الذي نحن بصدد دراسته.
3 - مولانا ديزاي
بالرغم من الشتائم التي وجهها إلي فهو يعترف بموثوقية و صحة أغلب الحقائق التي قدمتها و يعترف بأنه كانت هناك بالفعل اختلافات نصية في المصاحف الاولى و بأن عددا من المقاطع التي كانت ضمن القرآن فقدت منه لاحقا. بخصوص الاختلافات في القراءة يعتمد ديزاي على حديث نبوي واحد يروي أن محمدا قال إن القرآن نزل من عند الله على سبعة أشكال لغوية و لهذا فهو يزعم أن كل هذه القراءات قد شرعها الله و هي التي تشكل ما يعرف ب"الأحرف السبع" و يتقبل ببالغ السهولة فكرة أن عثمان قام بالفعل بتنحية مصاحف موثوقة و نجده يبرر هذا الإجراء بكونه هدف إلى ضمان اتساق في القراءة. سنرى فيما بعد أن تفكيرا كهذا يعرض صاحبه إلى تناقضات خطيرة. بخصوص المقاطع المفقودة من القرآن يعترف ديزاي بوجودها كما ذكرنا سالفا لكن يزعم أن الله نسخها ولذلك فهي لا توجد ضمن النص القرآني الحالي. لي اليقين أن هذه المزاعم لن يستسغيها لا كوكب الصديق و لا عبد الصمد عبد القادر و نفس الشيء بالنسبة لما تعلق بالقراءات المختلفة. و مع هذا أجد نفسي مضطرا للقول بأن المولانا هو الوحيد من بين الثلاثة الذي استطاع الإعتراف بإخلاص بموثوقية الأحاديث التي تحكي عن كيفية جمع القرآن. بالرغم من أنني أعتبرأن حججه غير مقنعة كما سنرى لاحقا إلا أنني أجد أن تقبله للحقائق التاريخية أمرا مسعدا.
في نهاية هذا الكتاب سأقدم عرضا موجزا عن المصاحف القرآنية الاولى التي استطاعت أن تصلنا. هذفي من هذا هو تحديد إمكانية وجود أحد المصاحف العثمانية التي تنوقلت بعد تنحية المصاحف الأخرى. يتضمن هذا الكتاب صورا لأقدم المصاحف التي وصلتنا وبالخصوص تلك التي بقيت من القرن الثاني للهجرة قبل أن يشيع استعمال الخط الكوفي في شكله المتطور في أوساط الخطاطين و يصبح معيارا إلى أن عوض بالخط النسخي.
لي الثقة بأن هذا الكتاب سيكون بمثابة إسهام في التقييم الحقيقي لمسألة جمع القرآن في بداية التاريخ الإسلامي من خلال دراسة موضوعية للمعطيات المتوفرة لدينا. لن أعتدر عن كون دراستي هذه لا تأخذ بعين الإعتبار الشعور السائد في الأوساط الإسلامية كما ذكر سابقا و أتمنى أن لا تؤدي إلى ردود فعل انفعالية كتلك التي صدرت كجواب على منشوراتي السابقة. أؤكد مرة أخرى أن هذفي هو الوصول إلى خلاصة مضبوطة و مبنية على الحقائق بخصوص موضوع جمع القرآن لا غير. أنا لست "عدوا صريحا للإسلام" تسيطر عليه رغبة جنونية للإستهزاء بالقرآن أو نفي سلامته من التحريف بأي وسيلة كما يفترض بعض الكتاب الإسلاميين.
جون جلكرايست
29 يناير 1989
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[01 Apr 2004, 07:14 م]ـ
الأخ الكريم أبا محمد ..
ها أنا ذا قد نقلت المقدمة ليعلم إخواني فقط ما نحن مقبلون عليه و كيف يتظاهر هؤلاء بالموضوعية و الحياد و يصفون علماء المسلمين بالإنفعالية و اللاموضوعية!!
ما نريده هنا هو رد علمي بكل المقاييس لا ذرة للإنفعال فيه وفقنا الله لما فيه الخير.
في منتديات الرد على النصارى نضع عادة مدة شهر لكل فصل (من كتب النصارى) و لكني أظن أننا لن نحتاج للشهر بأكمله إن شاء العلي القدير.
أما بالنسبة لعدم تكرار الردود و مشاركات التأييد و غيرها فهذا لا يهم طالما سيقوم الأخوة المشرفون بتنقيح الردود و تنسيقها لتخرج في أفضل صورة و سوف أقوم بإذن الله بترجمة المشروع إلى الإنجليزية - و هي اللغة الأصلية للكتاب - حتى تعم الفائدة و الله المستعان.
أما عن منهجنا في عرض الكتاب فهو كالآتي .. فالكاتب قد قسم كل فصل إلى عدة مسائل كما يبين الفهرس و سأقوم بإذن الله بنقل كل مسألة بنصها ثم تقسيم المسألة إلى نقاط صغيرة ليسهل الرد و إذا وجد أيكم مني غفلة أو عدم انتباه لأي شبهة فلينبهنا جميعاً و الكمال لله وحده. و سيتم عرض فصول الكتاب تباعاً إن شاء الله.
و ندعوا الله أن يكون كل هذا بنية نصر دينه و أن يجزينا خير الجزاء و أن يوفقنا ليخرج هذا العمل في أروع صورة فما ابتغينا سوى أن نكون من أنصار دينه و من المجاهدين في سبيله.
هذا و بالله التوفيق.
¥