و التناص في أرقى أشكاله هو التناص بين نص القرآن و" نص" واقع الإنسان (المعاش) منذ أن خلق الله عز وجل، آدم عليه السلام، هذا الواقع الذي يحتوي على نصوص "محكمة" و أخرى "متشابهة"، و ما الضلال الذي يحدث في تاريخ البشرية الآن إلا أنها تتبع ما تشابه من نصوص الواقع و تترك المحكم منه، وهذا دليل على أن القراءة العبقرية الحديثة للواقع لم تظهر بعد.
و رواية " الواقع" المباشر، ولا أقول الرواية الواقعية، في حقيقتها لا تكون رواية "واقع" إلا إذا كان " نصها الروائي" يحتوي على النص المحكم و النص المتشابهة وسط نص متنوع شامل، تتناص فيه الرواية و الواقع ليكونا نصا واحدا يتفاعل معه القارئ، ليحدث المتعة و التغيير في آن واحد لقارئ الرواية، و من هنا تكون متعة النص و من هنا تكون متعة القراءة، ومن هنا أيضا يستحق القارئ العبقري، الذي يدرك المعنى الواحد الصحيح، الجائزة بكل جدارة واستحقاق؛ وهو ما يمثله إدراك المعنى الحقيقي في القرآن الكريم، كلام رب العالمين، و في " القصص الحق" في القرآن و في روايات الواقع الإنساني الكبير، بكل جدارة و استحقاق.
يقول شكري عزيز الماضي في كتابه " في نظرية الأدب " بعد أن قدم شرحا لمفهوم التناص و نظرية النص، في مرحلة ما بعد البنيوية:
" و مهما يكن من أمر فإن التناص يقدم مفهوما جديدا لمصطلح " الكتابة"، فالكتابة ليست رسما للأصوات اللغوية على الورق بل تمثل و جودا كليا. كما يقدم مفهوما جديدا لمصطلح " النص". فالنص (المكتوب حتما) يتصف بصفات محددة بدونها قد يكون أثرا أو عملا أو ما شئت. لكن " النص" الذي يستحق هذه التسمية – ذو سمات جديدة تماما. و إذا ما استعرض المرء التراث العربي المكتوب، و فق هذه السمات، فإنه لن يجد " نصا يستحق هذه التسمية سوى " القرآن الكريم " فهو:
- نص مكتوب (نص/ كتابة)
- النص القرآني يطرح إشكالية التصنيف (ليس له شكل محدد، و لا ينتمي إلى أي نوع من أنواع الكتابة المألوفة).
- النص القرآني ليست له بؤرة مركزية (بل يتضمن بؤرا لا نهاية لها).
- النص القرآني له فاتحة (و لكن ليست له بداية أو نهاية بالمعنى المألوف).
- النص القرآني يقبل تأويلات لا حصر لها (حظي بهذا و سيبقى يحظى بتأويلات لا نهاية لها).
- النص القرآني ذو طاقة رمزية مطلقة.
- الإحالة المرجعية (في النص القرآني) على النص نفسه.
- حقوق طبع النص القرآني غير محفوظة لأحد "
انتهي كلام شكري عزيز الماضي، و أنا أقول، بعد هذا الكلام، أن نص القرآن الكريم، أكبر و اعظم من ذلك بكثير، فهو كلام الله رب العالمين،" الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شئ عليم"، الذي هو في السماء إله و في الأرض إله، سبحانه، و هو المهيمن و قوله مهيمن. و" نص" القرآن الكريم هو " النص" الوحيد الذي يدخل في علاقة " تناص" مباشرة مع الواقع و مع الإنسان، و الإحالة المرجعية (في النص القرآني) ليست على النص نفسه فقط، بل إنه يحيل القارئ إلى "نص " الواقع، ويحيل القارئ إلى " نص" القارئ (أي نفس القارئ).
و الآن هل لي أن أقول أن المنهج الإنساني العالمي القادم، منهج ما بعد البنيوية، الذي لم تدرك البشرية أسمه حتى الآن، هو منهج " الإسلام"، اسما و رسما و جسما، و معنى.
أجل إنه زمن الإسلام، و منهج الإسلام و الحمد لله رب العالمين.
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[11 Sep 2010, 07:36 ص]ـ
يرفع للتذكير والاستفادة منه.
ـ[باحثة علم]ــــــــ[11 Sep 2010, 01:22 م]ـ
فعلا بارك الله فيكم