تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجدت أن النص المفتوح ( open text )، يعنى، بكل بساطة، النص الذي تحتوى بنيته معاني متعددة و احتمالات كثيرة لتأويل المعنى المقصود، و وجدت أيضا أن النص المغلق ( closed text ) هو النص الذي تنغلق بنيته على معنى واحد محدد، و لا يمكن للقارئ الفكاك منه. و لكن منظري ما بعد البنيوية صاروا يتحدثون عن التناص و عن ما يسمى ب ( hypertext ) ، ويترجمه " دليل الناقد الأدبي" إلى النص المتعالق، و سألت نفسي: ما هو يا ترى هذا المتعالق؟!

يقول دليل الناقد الأدبي عن النص المتعالق:

" و المهتمون بهذا النص يرون نظريته تقوم على نظريات النص ما بعد البنيوي التي نادى بها دريدا، و فوكو و بارت على وجه الخصوص، و لعل في وصف بارت للنصوصية المثلى في كتابه أس/زي تعريفا حقيقيا للنص المتعالق حتى أن جورج لاندو استشهد به حين عرض لتاريخ مصطلح النص المتعالق. يقول بارت: " إن في هذا النص المثالي شبكات كثيرة و متفاعلة معا، دون أن تستطيع أي منها تجاوز البقية؛ إن هذا النص كوكبة من الدوال لا بنية من المدلولات؛ ليس له بداية؛ قابل للتراجع، و نستطيع الولوج إليه من مداخل متعددة، ولا يمكن لأي منها أن يوصف بأنه المدخل الرئيس، والشيفرات التي يهيئها تمتد على مسافة ما تستطيع (رؤيته) العين، ولا يمكن تحديدها (أي الشيفرات) ... إن أنظمة المعنى تستطيع السيطرة على هذا النص المتعدد (تعددية) مطلقة، و لكن عددها غير قابل للانغلاق أبدا، لأنه كما هي الحال معتمد على لانهائية اللغة".

هذا الكلام زاد غشاوة مصطلحات ما بعد البنيوية، رغم أني أعتقد جازما أن هؤلاء المنظرين جادون فيما يطرحونه من نظريات، و لكننا، جميعا، لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نرى كيف سيكون النص الروائي لما بعد البنيوية قبل أن نزيل عن أعيننا هذه الغشاوة؛ فانفجرت و تفجرت و فجرت مرة أخرى لأجد أن النص المتعالق، بكل بساطة، هو نص كبير ممتد يحتوى على عدد كبير و متنوع من النصوص، و هذا التنوع يصل إلى حد تتلاشى فيه حدود نوع النص الأدبي و تتوسع لتشتمل على كل شيء، أي أن ما يسمى ( HYPER TEXT ) هو النص المتنوع الشامل الذي يجد فيه القارئ كل شيء، تماما، مثل ( HYPER MARKET ) أي السوق المتنوع الشامل الذي يجد فيه المتسوق كل شيء، وليس المتعالق كما يترجمه دليل الناقد الأدبي، و إذا أردت أن أقدم تعريف آخر للنص المتنوع الشامل أستطيع أن أقول أنه النص الذي فيه تفصيل كل شيء، و لكن أتدرون ما النص الذي كانت تسير في اتجاهه مصطلحات البنيوية و ما بعد البنيوية و فيه تفصيل كل شيء؟

إنه " نص " القرآن الكريم، الذي يقول الله عز وجل عنه في سورة آل عمران، الآية السابعة: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ".

إذن، نظرية نص ما بعد البنيوية تسير في اتجاه " نص" القرآن الكريم، أدركنا ذلك أم لم ندركه، و هذه النظرية لا تتحقق بشكل تام صادق صريح إلا في نص القرآن. و لكن ما علاقة ذلك بالنص الروائي الحديث؟

النص المغلق هو النص "المحكم" و هو نص ثابت و الآيات المحكمات هي آيات أحكمت بنيتها على معنى واحد محدد لا يمكن للقارئ الفكاك منه و هو المعنى " المهيمن" و النص المحكم هو النص الذي يحمل " الخطاب"، ولذلك ليس هناك مجال ليقوم القارئ بأي تأويل، أما النص المفتوح فهو النص " المتشابه" وهو نص متحرك و الآيات المتشابهات هي آيات فتحت بنيتها لتؤدى إلى تأويلات كثيرة، و هذا النص المتشابهة يقوم بفحص قدرة و عبقرية القارئ، فالقارئ البليد المستسلم الذي في قلبه زيغ (عن المعنى الحقيقي المهيمن للواقع) سيقتنع بأول معنى يستطيع تأويله، و من هنا فإن النص المتشابهة، حقيقة، يفتن هذا القارئ، أما القارئ العبقري (الراسخ في العلم)، فهو من يستطيع التروي و التبصر و التدبر و يغوص في كل التأويلات المحتملة إلى أعماق النص ليجد المعنى الصحيح الذي هو المعنى المهيمن الثابت في النص "المحكم"، و لكن النص المحكم و النص المتشابهة لا يستطيعان التفاعل فيما بينهما (بوجود القارئ) إلا في وسط النص المتنوع الشامل Hypertext ،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير