تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكامل لهذه الموهبة هو ما مكن من حفظ القرآن و صيانته من الضياع" (1) ( Desai, The Quraan Unimpeachable, p.25)

يذهب بعد هذا إلى وصف استظهار القرآن بأنه "قوة حفظ ذات طبيعة إلهية". النتيجة المنطقية لهذا الزعم هي أن جمع القرآن كان من أسهل الأمور. فإذا كان زيد و القراء الأخرون يعرفون القرآن بكامله حتى أخر كلمة منه بدون أي غلط أو نقصان و برعاية ربانية فمن غير المعقول أن نجده يقوم بجمع القرآن بالشكل الذي فعله. فعوض أن يعتمد فقط على ذاكرته مباشرة نجده يبحث عن النصوص في مختلف المصادر: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللخاف و صدور الرجال حتى وجدت أخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم" (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن-4603)

لقد رأينا سابقا أن القرآن كان وقت وفاة محمد مفرقا بين ما كان في ذاكرة الصحابة و ما كان مكتوبا على مختلف المواد التي كانت تستعمل أنذاك في الكتابة. إلى هذه المصادر لجأ الصحابي الشاب حين كان يُعِد لجمع القرآن في مصحف واحد. المصدران الرئيسيان من بين المصادر التي ذكرت هما "الرقاع" و "صدور الرجال" (السيوطي - الإتقان في علوم القرآن). لم يعتمد زيد على ذاكرة الناس فقط بل اعتمد كذلك على ما كان مكتوبا أيً كانت طريقة كتابته (اللخاف أي الحجارة الرقاق الخ .. ) و التجأ إلى كثير من الصحابة و إلى جميع المواد التي كانت أجزاء من القرآن مكتوبة عليها. لم يكن هذا تصرف شخص يعتقد أن الله وهبه ذاكرة خارقة للعادة يمكنه الإعتماد عليها كليا في مهمته بل تصرف كاتب نبيه كان يريد جمع القرآن من جميع المصادر الممكنة. كان هذا تصرف رجل يعي كل الوعي أن النص القرآني كان متناثرا في أماكن عدة لدرجة أنه وجب جمع كل ما أمكن جمعه من أجل الحصول قدر المستطاع على نص كامل نسبيا.

أقدم الروايات في الإسلام تبين لنا بوضوح أن زيدا قام ببحث على نطاق واسع بينما نجد أن علماء متأخرين زعموا أنه اعتمد على ما دُون كتابيا على مختلف المواد -عظام الحيوانات‚الرقاع‚جلود الحيوانات الخ .. - التي كانت محفوظة في بيت محمد. زعموا أن زيدا لم يفعل شيئا أكثر من جمعه لهذه النصوص من أجل الإحتفاظ بها في موضع واحد.

يقول الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن" إن محمدا كان يأمر بكتابة القرآن و لذلك حين أمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف واحد وُجِدت المواد التي كان مكتوبا عليها "في دار رسول الله التي نزل فيها" (السيوطي‚ الإتقان) فجُمِعت و حُدِّدت لكي لا يضيع منها شيء. لكن يتضح من خلال ما دُوِّن في إطار الحديث النبوي أن زيدا قام ببحث واسع النطاق عن هذه المواد التي كتبت عليها أجزاء من القرآن. ديزاي يجاحد قائلا إن البحث الذي قام به زيد كان مقتصرا على المواد التي كُتب عليها القرآن "بين يدي رسول الله" لأن زيدا كان هو الصحابي الوحيد الذي أتيحت له الفرصة لكي يكون جنب محمد حين جاءه جبريل و رتل معه القرآن آخر مرة ( Desai, The Quraan Unimpeachable, p.18) يضيف ديزاي أنه رغم وجود نصوص قرآنية أخرى في تلك الفترة فهي كانت لم تكن تتوفر على مصداقية كاملة لأنها لم تكتب تحت الإشراف المباشر لمحمد لكن كتبت من طرف أصحابه الذين اعتمدوا في ذلك على ما استطاعوا حفظه في ذاكراتهم. يمتنع ديزاي عن إعطاء أية دلائل أو نصوص من أي نوع كانت و لا يُرينا المصادر التي اعتمد عليها في البرهنة على مزاعمه و التي من المفروض أن تكون من أقدم ما دُوِّن من التراث الإسلامي. في الواقع كون القرآن عُرض مرتين في آخر المطاف كان سرا لم يبح به محمد سوى لابنته فاطمة الزهراء (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن) {قال مسروق عن عائشة عن فاطمة عليها السلام أسر إلي النبي صلى اللهم عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي}

فكيف أمكن أن يكون هذا سرا إذا كان زيد بن ثابت حاضرا في هذه المناسبة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير