ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[24 May 2004, 09:14 ص]ـ
يعطي القرآن معلومات مختلفة عن خلق الإنسان. . من ماء مهين (77: 20) (1) من ماء (21: 30). . من نطفة (36: 77). . من طين (32: 7). . من علق (96: 2). . من حمأ مسنون (15: 27). . و لم يك شيئاً (19: 67).
فكيف يكون كل ذلك صحيحاً في نفس الوقت؟
الجواب:
ليس هناك أدنى تناقض - بل و لا حتر شبهة تناقض - بين ما جاء في القرآن الكريم من معلومات عن خلق الإنسان. . و حتى يتضح ذلك، يلزم أن يكون هناك منهج علمي في رؤية هذه المعلومات، التي جاءت في عديد من آيات القرآن الكريم. . و هذا المنهج العلمي يستلزم جمع هذه الآيات. . و النظر إليها في تكاملها. . مع التمييز بين مرحلة خلق الله للإنسان الأول - آدم عليه السلام - و مرحلة الخلق لسلالة آدم، التي توالت و تكاثرت بعد خلق حواء، و اقترانها بآدم، و حدوث التناسل عن طريق هذا الاقتران و الزواج.
لقد خلق الله، سبحانه و تعالى، الإنسان الأول - آدم _ فأوجده بعد أن لم يكن موجوداً. . أي أنه أصبح "شيئاً" بعد ان لم يكن "شيئاً" موجوداً. . و إنما كان وجوده فقط في العلم الإلهي. . و هذا و معنىالآية الكريمة: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (مريم: 67).
أما مراحل خلق الله، سبحانه و تعالى، لآدم. . فلقد بدأت ب (التراب) الذي أضيف إليه (الماء) فصار (طيناً) ثم تحول هذا الطين إلى (حمأ) أي أسود منتن، لأنه تغير - و المتغير هو (المسنون) - فلما يبس هذا الطين - من غير أن تمسه النار - سمى (صلصالاً) - لأن الصلصال هو الطين اليابس - من غير ان تمسه نار - و سمى صلصالاً لأنه يصل، أي يصوت، من يبسه - أي له صوت و رنين. .
و بعد مراحل الخلق هذه - التراب. . فالماء. فالطين. . فالحمأ المسنون. . فالصلصال. . نفخ الله، سبحانه و تعالى، في مادة الخلق هذه من روحه، فغدا هذا المخلوق "إنساناً" هو آدم، عليه السلام.
و عن هذه المراحل تعبر الآيات القرآنية فتصور تكامل المراحل - و ليس التعارض المتوهم و الموهوم - فتقول هذه الآيات الكريمة: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} (آل عمران: 59) - فبالتراب كانت البداية.
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (السجدة: 7)، و ذلك عندما أضيف الماء إلى التراب {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} (الصافات: 11) - و ذلك عندما زالت قوة الماء عن الطين فأصبح "لازباً"، أي جامداً. .
و في مرحلة تغير الطين، و اسوداد لونه، و نتن رائحته، سمي (حمأ مسنوناً)، لأن الحمأ هو الطين الأسود المنتن.
و المسنون هو المتغير بينما الذي (لم يتسنه) هو الذي لم يتغير. . و عن هذه المرحلة عبرت الآيات: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)} (الحجر: 26 - 35) (2).
تلك هي مراحل خلق الإنسان الأول، توالت فيها ة تتابعت و تكاملت المصطلحات: التراب. . و الماء. . و الطين. . و الحمأ المسنون. . و الصلصال. . دونما أي شبهة للتعارض أو التناقض. .
و كذلك الحال و المنهاج مع المصطلحات التي وردت بالآيات القرآنية التي تحدثت عن خلق سلالة آدم عليه السلام. .
¥