تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يوضح القرآن أن الله لا يغفر أن يشرك به (4: 48). و مع ذلك فقد غفر الله لإبراهيم، عليه السلام، بل جعله نبياً رغم أنه عبد النجوم و الشمس و القمر (6: 86 - 78). فما الإجابة؟

الجواب:

الشرك محبط للعمل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 64 - 66)، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء: 48).

و الأنبياء و الرسل هم صفوة الله من خلقه، يصطفيهم و يستخلصهم، و يصنعهم على عينه، و ينزهم - حتى قبل البعثة لهم و الوحي إليهم - عن الأمور التي تخل بجدارتهم للنبوة و الرسالة. . و من ذلك الشرك، الذي لو حدث منهم و اقترفوه لكان مبرراً لغيرهم أن يقترفه و يقع فيه. . و لذلك، لم يرد في القرآن الكريم ما يقطع بشرك أحد الأنبياء و الرسل قبل بعثته. . بمن في ذلك أبو الأنبياء و خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام. .

أما الآيات التي يشير إليها السؤال. . و هي قول الله، سبحانه و تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (الأنعام: 74 - 83).

أما هذه الآيات، فليس فيها دليل على أن إبراهيم، عليه السلام، قد مر بمرحلة شرك، و حاشا له أن يقع في ذلك، و إنما هي تحكي كيف آتى الله إببراهيم الحجة على قومه. . حجة التوحيد، و دحض الشرك. . فهي حجاج و حوار يسلم فيه إبراهيم جدلاً - كشأن الحوار - بما يشركون؛ لينقض هذا الشرك، و يقيم الحجة على تهاوي ما به يحتجون، و على صدق التوحيد المركوز في فطرته. . ليخلص من هذا الحوار و الحجاج و الاحتجاج إلى أن الخيار الوحيد المتبقي - بعد هذه الخيارات التي سقطت - هو التوحيد. . فهو حوار التدرج من توحيد الفطرة إلى التوحيد القائم على المنطق و البرهان و الاستدلال، الذي فند دعاوى و حجج الخصوم. . الاستدلال اليقيني - {و ليكون من الموقنين} - و ليس فيه انتقال من الشرك إلى التوحيد. . تلك هي الحقيقة التي رجحجها المفسرون:

فالقرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671ه 1273م) يقول في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) - مورداً الآراء المختلفة حول هذا الموضوع:

"قوله تعالى: "قال هذا ربي " اختلف في معناه على أقوال؛ فقيل: كان هذا منه في مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة؛ وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير