بعد المسيح رسولا بل جعل ذلك الزمان زمان فترة كقوله {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل} وأيضا فإنه قال تعالى {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا} ولو كانوا رسل رسول لكان التكذيب لمن أرسلهم ولم يكن في قولهم إن أنتم إلا بشر مثلنا شبهة فإن أحدا لا ينكر أن يكون رسل رسل الله بشرا وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشرا وأيضا فلو كان التكذيب لهما وهما رسل الرسول لأمكنهما أن يقولا فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى اصحابه فإنهم يعلمون صدقنا في البلاغ عنه بخلاف ما إذا كانا رسل الله وأيضا فقوله {إذ أرسلنا إليهم اثنين} صريح في أن الله هو المرسل ومن أرسلهم غيره إنما أرسلهم ذلك لم يرسلهم الله كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبدالله أنهم رسل الله فلا يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن الله أرسله ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة وعبدالله بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول وذلك أن النبي أرسل رسله إلى ملوك الأرض كما أرسل دحية بن خليفة إلى قيصر وأرسل عبدالله بن حذافة إلى كسرى وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس كما تقدم ذكر ذلك.
ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء إن الله أرسلهم ولا يسمون عند المسلمين رسل الله ولا يجوز باتفاق المسلمين أن يقال هؤلاء داخلون في قوله {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات}.
فإذا كانت رسل محمد لم يتناولهم اسم رسل الله في الكتاب الذي جاء به فكيف يجوز أن يقال إن هذا الاسم يتناول رسل رسول غيره والمقصود هنا بيان معاني القرآن وما أراده الله تبارك وتعالى بقوله {إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين}. هل مراد الله ورسوله محمد من أرسلهم الله أو من أرسلهم رسوله وقد علم يقينا أن محمد لم يدخل في مثل هذا فمن قال إن محمدا أراد بذلك من أرسله رسول فقد كذب على محمد عمدا أو خطأ. انتهى
ـ[أبو بكر الأمريكي]ــــــــ[25 May 2004, 09:06 م]ـ
السلام عليكم
المهم في مثل هذا المقام أن ننظر في الأسانيد وفي ألفاظ الروايات. فمثلا إذا نظرت إلى رواية كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن عباس وجدت أنهم لم يقولو أنهم كانوا رسل المسيح بل كانوا رسل الله وإنما ذكروا أن القرية كانت أنطاكية. ومع هذا فهذا أسناد لا يعتمد عليه البتة. فبين ابن اسحاق وبين أصحاب الرواية انقطاع كبير. و ابن إسحاق مدلس كان يأخذ عن كل أحد ومن أجل ذلك تكلم فيه جماعة من النقاد إلا أن القول الوسط أنه صدوق في نفسه.
أما الروايتان عن عكرمة وقتادة فهي صحيحة لكن انظر ماذا قال قتادة. قال: ذكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية مدينة بالروم فكذبوهما , فأعزهما بثالث , {فقالوا إنا إليكم مرسلون}
فلم يجزم بصحة هذا القول. إنما قال "ذكر لنا"
وهذا نص ما قاله ابن جرير في الآية
القول في تأويل قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون}.
يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلا أصحاب القرية- ذكر أنها أنطاكية، {إذ جاءها المرسلون} اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل، وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية، انتهى من كلامه
فهل أيد القول بأنها أنطاكية. ولم أر في تفسيره شيئا من كلامه يؤيد القول بأنم كانوا رسل المسيح عليه الصلاة والسلام.
أما كلام القرطبي فيظهر منه أنه ذهب الى أنهم كانوا رسل الله ثم ذكر أنه قيل أنهم كانوا رسل المسيح.
وأما الآخرين ممن ذكر أنهم قالوا شيئا من ذلك فلينظر في أسانيد الروايات فكما قال الإمام أحمد "ثلاثة ليس لها اسناد" ذكر منها التفسير. معنى كلامه أن أكثر الآثار التفسيرية من طرق لا يعتمد عليها.
وأيضاً مجرد ذكر أسمائهم لا يكفى لأنا قد نفهم من كلامهم - إن صح عنهم - غير الذي فهمه بعض المفسرين.
وعلى كل حال، هذا كله من الإسرائيليات التي ليس فيها حجة في الدين وإنما ذكر ليعرف.
وفي تفسير الآية (79) من سورة البقرة ذكر الإمام ابن كثير هذا الحديث:
وقال الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرءونه غضا لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل عليكم رواه البخاري من طرق عن الزهري
وعزاه الشيخ أحمد شاكر إلى ثلاثة أماكن من البخاري مع الفتح (13/ 414,282؛ 5/ 515).
وقد أجاز لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرواية عنهم لكن بقيد، وهو "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم" فما عرفنا كذبه لمخالفته كتاب الله ينبغي الانكار عليه كما فعل ابن عباس، ويدخل في هذا القسم شيء كثير من الإسرائيليات المذكورة في التفاسير. أما ما لا نعلم صدقه أو كذبه فلا بأس في نقله لكن ينبغي أن لا يصدق.
وللشيخ أحمد شاكر كلام جيد في شأن الإسرائيليات في مقدمة عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير وهم اختصاره لتفسير ابن كثير إلا أنني أرى أنه تشدد في الإنكار على ذكرها في التفاسير.
¥