تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منه فى الدنيا، ومن ثم فلا خِطْبة ولا مهر ولا زواج بما يعنيه كل هذا من استعدادات وتكاليف، فضلا عن أن تكون هناك صراعات بين عدة رجال مثلا على الفوز بامرأة جميلة كل منهم واقع فى غرامها ولا يهنأ له عيش إلا بالزواج منها، أو بين عدة نساء على الفوز برجل غنى وسيم كلهن مدلَّهات فى هواه فلا تروق لهن الدنيا إلا بالاقتران به.

ومما يؤيد كلامى أن المسيح نفسه فى الفقرات التى سبقت جوابه على سؤال اليهود، حين أراد أن يوضح ملكوت السماوات، وهو ما يقابل الجنة عندنا، ضرب لمستمعيه مثلا من عُرْسٍ أقامه أحد الملوك لابنه أَوْلَمَ فيه وليمةً " على كيفك " قُدِّمَتْ فيها الذبائح والمسمَّنات، وحضرها المدعوُّون وقد لبسوا الحلل التى تليق بهذه المناسبة السعيدة. فعلام يدل هذا؟ وهل يختلف يا ترى عما نقوله نحن عن الجنة؟

أَوَلَمْ يقل المسيح (مرقس / 14/ 25، ولوقا / 22/ 18) إنه سيشرب عصير الكرمة فى ملكوت الله جديدا، أى على نحو آخر غير ما كان عليه فى الدنيا، وهو ما يقوله الإسلام؟

أولم يقل لتلاميذه إنهم سيأكلون ويشربون معه على مائدته فى الملكوت (لوقا / 22/ 29 – 30)؟ فما الفرق بين الشراب والطعام وبين الجنس؟ أليست كلها متعا من متع هذه الدنيا التى تتأففون منها نفاقا ورياء، وأنتم غارقون فيها، لا إلى أذقانكم فقط كما يقول التعبير المشهور، بل إلى شُوشَة رؤوسكم؟

ثم إننا لا ينبغى أن ننسى أن السيد المسيح، مَثَلُه فى هذا مَثَلُ النبى يحيى، كان عزوفا عن النساء لأسباب خاصة به قد يمكن أن نجد لها إيماء فى كلامه عليه السلام عن أولئك الذين خصاهم الناس أو خَصَوْا هم أنفسَهم أو كانوا مَخْصِيِّين خِلْقَةً مما مَرَّ بنا من قبل.

ثم أين كان آدم وحواء فى بدء أمرهما؟ ألم يكونا فى الجنة؟ فماذا كانا يفعلان هناك؟ يقول كتابكم المقدس إن هذه الجنة كان فيها أشجار حسنة المنظر طيبة المأكل، وإن الرجل يترك أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسدا واحدا، وإن آدم وزوجه كانا عريانين لا يشعران بخجل، وإن الله قد ضمن لهما الخلود فيها ... إلخ (تكوين / 2/ 8 – 9، 24). فما معنى كل هذا؟ وماذا كان أبوانا الأوَّلان يعملان فى الجنة؟ أكانا يكتفيان بتمضية وقتهما فى التأملات الروحانية واضعَيْن أيديهما على خدودهما ليلا ونهارا؟

كذلك يتحدث بولس فى رسالته الأولى لأهل كورنتس (15/ 35 فصاعدا) عن " الأجساد الأخروية " التى لا تعرف الفساد ولا التحلل والتى يسميها أيضا بـ " الأجساد السماوية " و" الأجساد الروحانية ".

وفى السِّفْر المسمَّى بـ " رؤيا القديس يوحنا " وَصْفٌ مفصَّلٌ لكثير من متع الفردوس وعذابات الجحيم، وكلها مادية كالمتع والعذابات التى نعرفها فى دنيانا هذه، مع التنبيه بين الحين والحين إلى أن كل شىء من هذه الأشياء سيكون جديدا ولا يجرى عليه ما كان يجرى على نظيره فى الأرض من فساد ونقصان، وهو ما لا يختلف عما قلناه، فلم التعنت إذن ومهاجمة الإسلام نفاقا وحقدا؟

ـ[الجندى]ــــــــ[05 Feb 2005, 02:28 ص]ـ

وأَصِل الآن إلى آخر قضية أنوى أن أتناولها فى هذه الدراسة، وهى التهمة التى وجهها هؤلاء المآفين إلى القرآن الكريم وخصّصوا لها سورة افترَوْها وسمَّوْها: " سورة الغرانيق "، إشارةً إلى ما يقال من أن سورة " النجم " كانت تحتوى فى البداية على آيتين تمدحان الأصنام الثلاثة: " اللات والعُزَّى ومَنَاة "، ثم حُذِفتا منها فيما بعد. يريدون القول بأن محمدا، عليه الصلاة والسلام، كان يتمنى أن يصالح القرشيين حتى يكسبهم إلى صفه بدلا من استمرارهم فى عداوتهم لدعوته وإيذائهم له ولأتباعه، ومن ثم أقدم على تضمين سورة " النجم " تَيْنِك الآيتين عقب قوله تعالى: " أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى * ومناةَ الثالثةَ الأخرى؟ " (النجم /19 – 20) على النحو التالى: " إنهنّ الغرانيق العُلا * وإن شفاعتهن لَتُرْتَجَى ". والمقصود من وراء ذلك كله هو الإساءة للرسول الكريم بالقول بأنه لم يكن مخلصا فى دعوته، بل لم يكن نبيا بالمرة، وإلا لما أقدم على إضافة هاتين الآيتين من عند نفسه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير