تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الآيتين المزعومتين تجعلان الأصنام الثلاثة مناطا للشفاعة يوم القيامة دون تعليقها على إذن الله، وهو ما لم يسنده القرآن فى أى موضع منه إلى أى كائن مهما تكن منزلته عنده سبحانه. ولن نذهب بعيدا للاستشهاد على ما نقول، فبعد هاتين الآيتين بخمس آيات فقط نقرأ قوله تعالى: " وكم مِنْ مَلَكٍ فى السماوات لا تُغْنِى شفاعتُهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويَرْضَى ". فكيف يقال هذا عن الملائكة فى ذات الوقت الذى تؤكد إحدى الآيتين المزعومتين أن شفاعة الأصنام الثلاثة جديرة بالرجاء من غير تعليق لها على إذن الله؟

ثم إنه قد ورد فى الآية الثانية من آيتى الغرانيق كلمة " تُرْتَجَى "، وهى أيضا غريبة على الأسلوب القرآنى، إذ ليس فى القرآن المجيد أى فعل من مادة " ر ج و " على صيغة " افتعل ". أما ما جاء فى إحدى الروايات من أن نص الآية هو: " وإنّ شفاعتهن لَتُرْتَضَى "، فالرد عليه هو أن هذه الكلمة، وإن وردت فى القرآن ثلاث مرات، لم تقع فى أى منها على " الشفاعة "، وإنما تُسْتَخْدَم مع الشفاعة عادةً الأفعال التالية: " تنفع، تغنى، يملك ".

كذلك فقد بدأت مجموعةُ الآيات التى تتحدث عن اللات والعُزَّى ومناة بقوله عَزَّ شأنُه: " أ (ف) رأيتم ... ؟ "، وهذا التركيب قد تكرر فى القرآن إحدى وعشرين مرة كلها فى خطاب الكفار، ولم يُسْتَعْمَل فى أى منها فى ملاينة أو تلطف، بل ورد فيها جميعا فى مواقف الخصومة والتهكم وما إلى ذلك بسبيل كما فى الشواهد التالية: " قل: أرأيتم إن أتاكم عذابُه بَيَاتًا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون؟ " (يونس / 50)، " قل: أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزقٍ فجعلتم منه حلالا وحراما، قل: آللهُ أَذِنَ لكم أم على الله تفترون؟ " (يونس / 59)، " قل: أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشَهِد شاهدٌ من بنى إسرائيل على مِثلِْه فآمن واستكبرتم؟ إن الله لا يهدى القوم الظالمين " (الأحقاف / 10)، " أفرأيتم الماء الذى تشربون؟ * أأنتم أنزلتموه من المُزْن أم نحن المُنْزِلون؟ * لو نشاء جعلناه أُجَاجًا، فلولا تشكرون " (الواقعة / 68 – 70). فكيف يمكن إذن أن يجىء هذا التركيب فى سورة " النجم " بالذات فى سياق ملاطفة الكفار ومراضاتهم بمدح آلهتهم؟

وفوق هذا لم يحدث أن أُضيفت كلمة " شفاعة " فى القرآن الكريم (فى حال مجيئها مضافة) إلا إلى الضمير " هم " على خلاف ما أتت عليه فى آيتى الغرانيق من إضافتها إلى الضمير "هنّ ".

وفضلا عن ذلك فتركيب الآية الأولى من الآيتين المزعومتين يتكون من " إنّ (وهى مؤكِّدة كما نعرف) + ضمير (اسمها) + اسم معرّف بالألف واللام (خبرها) "، وهذا التركيب لم يُسْتَعْمَل ل " ذات عاقلة " فى أى من المواضع التى ورد فيها فى القرآن الكريم (وهى تبلغ العشرات) إلا مع زيادة التأكيد لاسم " إنّ " بضميرٍ مثله كما فى الأمثلة التالية: " ألا إنهم هم المفسدون / ألا إنهم هم السفهاء / إنه هو التواب الرحيم / إنك أنت السميع العليم / إنك أنت التواب الرحيم / إنه هو السميع العليم / إنه هو العليم الحكيم / إنه هو الغفور الرحيم / إنى أنا النذير المبين / إنه هو السميع البصير / إننى أنا الله / إنك أنت الأعلى / إنا لنحن الغالبون / إنه هو العزيز الحكيم / وإنا لنحن الصافّون / وإنا لنحن المسبِّحون / إنهم لهم المنصورون / إنك أنت الوهاب / إنه هو السميع البصير / إنه هو العزيز الرحيم / إنك أنت العزيز الكريم / إنه هو الحكيم العليم / إنه هو البَرّ الرحيم / ألا إنهم هم الكاذبون / فإن الله هو الغنى الحميد ". أما فى المرة الوحيدة التى ورد التركيب المذكور دون زيادة التأكيد لاسم " إنّ " بضميرٍ مثله (وذلك فى قوله تعالى: " إنه الحق من ربك " / هود / 17) فلم يكن الضمير عائدا على ذات عاقلة، إذ الكلام فيها عن القرآن. ولو كان الرسول يريد التقرب إلى المشركين بمدح آلهتهم لكان قد زاد تأكيد الضمير العائد عليها بضميرٍ مثله على عادة القرآن الكريم بوصفها " ذواتٍ عاقلةً " ما داموا يعتقدون أنها آلهة. وعلى ذلك فإن التركيب فى أُولَى آيَتَىِ الغرانيق هو أيضا تركيب غريب على أسلوب القرآن الكريم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير