تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مرة أخرى أكرر أن هذه الرواية هى رواية مكذوبة لا تثبت على محك النقد العلمى: سواء من ناحية السند أو من ناحية المتن والأسلوب كما رأينا، لكنى أحاول أن أبين للقارئ الفاضل مدى التواء هؤلاء المخابيل وخبث نفوسهم وكيلهم بمكيالين، وأن أُوقِفَ هؤلاء المخابيل أمام صورتهم فى المرآة ليَرَوْا قبحها ودمامة ملامحها الشيطانية!

وهنا أحب أن أشير إلى مفارقة غاية فى العجب والغرابة والشذوذ، فانطلاقا من المفهوم الطاهر للنبوة فى ديننا والإيمان بأن الأنبياء لا يمكن أن يقترفوا مثل هذه الجرائم التى لا تقع إلا من عتاة المجرمين نقوم نحن المسلمين بالدفاع عن أنبياء الكتاب المقدس ضد التهم التى يلصقها هذا الكتاب المحرَّف بهم، لكن النصارى يردون على هذا الدفاع بالتخطئة مؤكِّدين أن هؤلاء الأنبياء قد ارتكبوا فعلا الخطايا التى تُنْسَب إليهم. ومع ذلك فإنهم عند تناولهم للشبهات الباطلة التى يتعلقون بها للنيل من أخلاق الرسول الأعظم نراهم وقد أخذتهم الحميَّة للأخلاق الكريمة فلا يُبْدُون أى تسامح أو تساهل مع هذه التهم الكاذبة!

أليست هذه مفارقة تحتاج إلى دراسة تحليلية لذلك الالتواء النفسى؟

ويمكن القارئ أن يرجع مثلا إلى موقع " النور " النصرانى، ولسوف يجد مقالا بعنوان " عصمة الوحى وخطايا الأنبياء " يتحدث فيه صاحبه عن الخطايا التى اجترحها كل من آدم ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوط وإخوة يوسف وداود وسليمان وغيرهم مما أشرنا لبعضه آنفا، مع تسويغ هذه الخطايا بشبهة أنهم بشر، لكنه عندما يتناول ما يظنه أخطاءً لسيد الأنبياء والمرسلين يحاسبه حسابا عسيرا، ولا يرضى أبدا بغض البصر أو التسامح تحت أى بند من البنود!

إننى حين أدافع عن سيد النبيين والمرسلين لا أفعل ذلك لمجرد انتمائى لدينه، بل أفعله إيمانا منى بعظمته وعبقريته وشموخ شخصيته: فقد أتى بمبادئ لا ترقى إليها أية مبادئ فى أى دين أو فلسفة أو مذهب من مذاهب السياسة والتربية والأخلاق.

ثم إنه قد وضع تلك المبادئ موضع التطبيق، وكان توفيقه فى هذا المجال مذهلا، ولم يقتصر الأمر معه على مجرد الدعوة لها كما هو الحال مع عيسى عليه السلام، الذى لم يأت، حسب ما هو مسطور فى سيرته، إلا ببعض المواعظ والنصائح المغرقة فى الخيال مما لا يؤكِّل عيشا! والواقع أنه لو أخذت البشرية مأخذ الجِدّ ما دعا إليه السيد المسيح حسبما جاء فى الأناجيل لما كانت هناك حضارة ولا تقدُّم ولا تمتُّع بأى من خيرات الحياة، فكل الكلام المنسوب له عليه السلام تنفير من الغنى والقوة والدفاع عن النفس وتبغيض فى الدنيا وطيباتها، وهو يقول بصراحة لا تحتمل أى تأويل إن مملكته ليست من هذا العالم. كما ينظر إلى الغرائز البشرية نظرة التوجس بل الكراهية، مع أن هذه الغرائز هى وقود سفينة الحياة، ولولا هى لما رامت هذه السفينة موضعَها إلى الأبد! كذلك لم يترك المسيح أية تشريعات تقريبا، وبالذات فى مجال السياسة والحكم وتنظيم المجتمع. ومن ثم فإننا إذا أردنا أن نقيم دولة على المبادئ التى خلَّفها لم نجد ما يمكن أن يساعد فى هذا المجال! ولكن لا ينبغى فى ذات الوقت أن ننسى أنه عليه السلام لم يُكْتَب له أن يعيش بعد اختياره نبيًّا إلا لسنوات ثلاث، وهى فترة غير كافية لإنجاز أى مشروع على الإطلاق! ومن هنا كان من الظلم البين له مقارنة عمله بما أنجزه الرسول الأعظم رغم احترامنا له وحبنا إياه وإيماننا بنبوته.

لكن صورة المسيح التى تعرضها علينا الأناجيل هى للأسف صورة ظالمة، إذ تظهره عصبيًّا جافى الطبع لا يستقر فى مكان، ولا عَمَلَ له إلا إبراءُ المرضى الذين يلهثون خلفه هنا وههنا فى فوضى مزعجة، وإلا لَعْنُ اليهود وسبُّهم ومخالفتهم فى كل ما يتمسكون به من تشريعات، مع الزعم فى ذات الوقت بأنه ما جاء لينقض الناموس الذى أتى به موسى عليه السلام، ثم لا شىء وراء ذلك!

طبعا سيقول النصارى إنه قد أتى إلى العالم ليفتدى البشرية من خطيئتها الأولى، لكن أحدا من غير السذَّج لا يمكن أن يأخذ هذه المزاعم المصنوعة على غرار وثنيات القدماء وخرافاتهم مأخذ الجِدّ!

ومع ذلك فكلُّ إنسانٍ وما يؤمن! ونحن لا نتدخل فى عقائد غيرنا، بيد أننا فى الوقت ذاته لا يمكن أن نتسامح مع من يَمَسُّ سيدنا رسول الله بسوء!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير