تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الدكتور أركون عندما يسمع هذا التنبيه، وقبل أن يصل المنادى فى عدّه إلى كلمة "بعد ثانية" سيكون قد غرس البحوث والدراسات التى وعد بها، غَرَسَها فى الطين مع سائر الفسائل "لأنها دراساتٌ فَسْلة"، ولسوف تنبت إن شاء الله (ولكن فى العالم الآخر طبعا لأنه قد غرسها فى الوقت الحرج القاتل، أو كما يقولون فى لغة معلِّقى الكرة: فى الوقت الضائع) سوف تنبت أشجارا ضخمة وارفة الظلال مثقلة بالأثمار التى تتساقط فى أفواهنا ونحن نائمون تحتها نتمطى فى كسلٍ يليق بأهل الجنة التى يكذِّب بها الحداثيون والألسنيون والبروتوكوليون، فنمتلئ فى الحال من نعمة المعرفة الألسنية البروتوكولية، ونجد مادة للكلام والنقاش نقطع بها الوقت الطويل الذى نقضيه دون عمل، وندعو للدكتور أركون بأن "يزيده الله مما هو فيه" أنْ أَضْفَى على حياتنا هناك مسحة من الطرافة، إذ أعطانا الفرصة لكى نَرْكَب بتهكماتنا وسخرياتنا هذا الفكر البسبسانى المأمآنى، ونتسلى بما فيه من مأمآت ونَوْنَوَات مثلما كنا نفعل فى الدنيا! وهل وراءنا حاجة؟ الحمد لله، لا شغلة ولا مشغلة رغم ما يقوله بعض القاديانيين من أن حياة أهل الجنة لن تكون حياة سكون ودعة، بل حياة عمل وجهاد من أجل الارتقاء الروحى، تصورًا منهم أن قوله تعالى فى سورة "يس": "إن أصحاب الجنة اليوم فى شُغُلٍ فاكهون" معناه أنهم سيكونون دائما فى شغل وتعب وجهاد، مع أن الآية تحدد طبيعة هذا "الشغل" بأن المؤمنين سيكونون فيه فاكهين، لا عابسين ولا مرهقين ولا بَرِمين، وأنهم سيكونون مع زوجاتهم فى ظلال على الأرائك متكئين كما تقول الآية التى تلى ذلك! فأل الله ولا فألكم يا أتباع غلام أحمد! هل تريدون لنا وجع الدماغ من أول وجديد؟ ألم يكفكم ما نقاسيه فى هذه الدنيا المزعجة حتى تضيفوا إليه إزعاجا آخر فى الجنة؟ فأية جنة هذه يا ربى؟

(انظر The Holy Quran, Edited by Malik Ghulam Farid, The London. Mosque, 1891, P. N. 2454, 952 )

وعَوْدًا إلى ما قاله د. أركون عن مبادئ البروتوكول التقليدى فى تفسير القرآن وما توجبه من الاستعانة بالنحو وعلم اللغة التاريخى والبلاغة والمنطق للوصول إلى معنى النص القرآنى، والفرق بينها وبين مبادئ بروتوكوله هو التى لا تعرف هذه الاستعانة ولا تبالى بها، نلفت نظر القارئ إلى أنه أمضى الصفحات التى خصصها لسورة "الفاتحة" فى الكلام عما تشتمل عليه السورة الكريمة من ضمائر وأسماء وأفعال وبنيات نحوية، محاولا الوصول إلى شىء من المعنى من وراء هذه الإحصاءات عبثا، ومتخبطا فى أثناء ذلك تخبطا لا يليق بمن يتصدى لتفسير كتاب الله العظيم حتى لو كان من طائفة البسبسانيين المأمآنيين!

فمثلا يرى سيادته بعلمه العبقرى أن السورة تحتوى على فعلين مضارعين (هما: "نعبد، ونستعين") أُسْنِدا إلى البشر (جماعة المؤمنين)، وفعلٍ واحدٍ ماضٍ مسند إلى الله (هو: "أنعمتَ")، وأن السبب فى هذا أن الفعل المضارع يدل على استمرار المحاولة وديمومة التوتر، فهو يناسب البشر، بخلاف الماضى الذى يدل على أن الأمر قد تم وانتهى الأمر ولا مرجوع عنه، وهو ما يناسب القدرة الإلهية (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 130 - 131).

وهذا كلامٌ خديجٌ لا نضج فيه، إذ كثيرا ما تُسْنَد الأفعال المضارعة إلى الله، والماضية إلى البشر، والعبرة بالسياق والمعنى لا بصيغة الفعل كما فى الشواهد التالية، وكلها من القرآن الكريم ذاته: "الله يستهزئ بهم ويَمُدّهم فى طغيانهم يعمهون"، "قال إنه يقول إنها بقرةٌ لا فارض ولا بِكْر"، "قد نرى تقلُّب وجهك فى السماء"، "والله يرزق من يشاء بغير حساب"، "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم"، "الله ولىّ الذين آمنوا يُخْرِجهم من الظلمات إلى النور"، "قل: إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء"، "ولله ما فى السماوات وما فى الأرض، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء"، "يُوصِيكم الله فى أولادكم: للذَّكَر مثل حظ الأُنْثَيَيْن"، "فأولئك يتوب الله عليهم"، "يريد الله أن يخفف عنكم"، "أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم"، "ويستفتونك فى النساء. قل: الله يفتيكم فيهن"، "لكنِ اللهُ يشهد بما أنزل إليك"، "يَهْدِى به الله من اتَّبع رضوانه سُبُل السلام"، "قد نعلم إنه لَيَحْزُنك الذى يقولون"- "لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير