تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد رجعتُ إلى كتاب النحو الذى وضعه بلاشير (بمشاركة جودفروا ديمومبين) لطلاب الاستشراق فوجدتهما لا يذكران من "أم" إلا المتصلة، وهى التى سبقتها همزة، سواء كاتت همزة استفهام أو همزة تسوية، كما فى المثالين اللذين ضربتهما قبل قليل ( Grammaire de L Arabe Classique, Maisonneuve et Larose, Paris, 1966, PP. 218, 469 ) , فهذه كل بضاعة النحو عند هذا المستشرق، وذلك هو السر فى الخبط الجاهل الذى تناول به الآية وزعم أنه قد سقط قبلها كلامٌ جرّاءَ العَبَث الذى وقع فى القرآن بعد وفاة النبى عليه السلام.

وعلى أية حال هأنذا أورد العينة التالية من الشواهد القرآنبة على ذلك الاستعمال لمن يريد أن يطمئن على هذا الذى نقول:

"أم حسِبْتم أن تدخلوا الجنة ولَمّا يأتكم مَثَلُ الذين خَلَوْا مِنْ قبلكم؟ " (البقرة/ 214، ومثلها كل الآيات التى تبتدئ بعبارة "أم حسبـ (ـتَ/ تم)) ""أم يقولون: افتراه؟ " (يونس/ 38، وهود/ 35 مرتين، والسجدة/ 3، والأحقاف/ 8)، "أم اتخذ مما يخلق بناتٍ وأَصْفاكم بالبنين؟ " (الزخرف/ 16)، "ما لكم؟ كيف تحكمون؟ * أم لكم كتاب فيه تَدْرُسون؟ " (القلم/ 37). ومن يُرِدْ شواهد أخرى من القرآن فبمكنته أن يراجع المواضع التالية: البقرة/ 133، والنساء/ 53، والرعد/ 33، والأنبياء/ 21، 24، 43، والنمل/ 20، وفاطر/ 40، والصافات/ 156، وص/ 9، والزمر/ 43، والشورى/ 9، 21، 24، والأحقاف/ 4، ومحمد/ 29، والطور/ 30، والملك/ 20، والقلم/37.

ومثلُ "لم" فى هذا استخدامُ القرآن للظرف "إذ" فى أول الكثير من قصصه دون أن يسبقه كلام، وهو ما لا أذكر أنى رأيته خارج القرآن شعرًا أو نثرا. وهذه الـ"إذ" يقابلها قولنا حين نريد أن نحكى لأحدٍ حكاية: "كان يا ما كان" أو "يحكى أن" أو "حدث ذات مرة" أو ما إلى ذلك. ويقول المفسرون بأن معناها: "اذكر"، وهو معنى لا يذهب بعيدا عما قلناه.

فهل يصح أن يأتى من يتحامق قائلا إن هذا استعمال خاطئ، وإنه يدل على أنه كان ههنا كلام، ثم حُذِف؟

لكن أين ذهب؟ ألعله أكلته القطة؟

كذلك يقف أركون يفرك يديه ابتهاجا ساذجا إزاء قوله تعالى فى الآية الخامسة والعشرين من السورة ذاتها عن المدة التى بقيها أصحاب الكهف فى كهفهم فى رأى رواة حكايتهم: "ولبثوا فى كهفهم ثلاثَمائةٍ سنين وازدادوا تسعا"، وَهْمًا منه، وممن يردد كلامهم بعَبَله دون أن يتوقف ليتثبت منه قبل ترديده، أن فيها شذوذا لغويا، إذ كان ينبغى أن يكون الكلام فى رأيهم هكذا: "ثلاثَمائة ِسنةٍ" لا "ثلاثمائةٍ سنين"، وهو ما يرتبون عليه افتراض "العديد من الافتراضات حول شروط أو ظروف تثبيت النص" كما يقول بلاشير (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 148).

ثم يضيف الدرويش فى الهامش قائلا إن "النقد الفيلولوجى يكشف عن أشياء مذهلة ويطرح تساؤلات عديدة، ولكن من دون أن يستطيع القطع بشىء".

يقصد أن منهج المستشرقين السابقين لم يكن يساعدهم على الاستفادة من النتائج التى يتوصلون إليها، بخلاف أركون ومنهجه الذى يسوِّل له أن يطير بكل شبهة سخيفة مطنطنا بها ومخطِّئا القرآن دون تبصر أو مراجعة!

ترى هل من المنهج العلمى أن يطير الباحث مع أوهامه دون أن يراجع نفسه لعله قد أخطأ أو تسرَّع أو سَهَا أو فاتته أشياء يجهلها؟

لماذا كلما كان الأمر ينصبّ فى ناحية الإساءة للقرآن والتشكيك فيه نرى أستاذك يفقد حذره ووسوساته التى يفلقنا بها دائما عندما تكون الوقائع كلها فى صف النص القرآنى؟

فمثلا معروف بين العالمين جميعا أن حرص المسلمين على قراءة القرآن فى الصلاة وخارج الصلاة يتعبدون به ويتقربون إلى الله منذ بداية نزوله حتى الآن كان له دور عظيم فى الحفاظ على النص القرآنى فى الذاكرة المسلمة، والدكتور محمد أركون لا يمارى فى ذلك، إذ يقول: "إن الاستخدام الطقسى أو الشعائرى للنص القرآنى ساهم بالتأكيد وبشكل مبكر فى تثبيته" (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 155/ هـ1).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير