تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والإنصافُ يقتضينا ذكرَ مَحاسنِ المستشرقينِ والتنبيهَ على أخطائهم، كما يُنبَّه على خطأِ المسلم في كتابته وتصنيفه. وقد كان العلماءُ المسلمون الذين عاصروا المستشرقين في القرن الماضي أكثرَ وعياً مِنْ كَثيرٍ مِنّا الآن. حيث لَمَسوا عن قُربٍ حرصَ بعضِ العلماءِ المستشرقين على نَشرِ التراث الإسلامي نشراً أَميناً يدلُّ على عُلوِّ الهمَّةِ، وصدقِ الرغبةِ في خدمة العلم لذاتِ العلم لا لأهدافٍ أخرى. ويحضرني من ذلك ثلاثة أمثلة:

الأول: ما صنعه المستشرق الألماني فلوجل في معجمه (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) الذي أقام الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي كتابه (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) عليه. حيث أثنى عليه عبدالباقي في مقدمته فقال: (وإذا كان خير ما ألف، وأكثره استيعاباً في هذا الفن، دون منازع ولا معارض، هو كتاب (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) لمؤلفه المستشرق فلوجل الألماني، الذي طبع أول مرة عام 1842م فقد اعتضدت به وجعلته أساساً لمعجمي). وهذا دلالة على إنصاف الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي الذي قام بجهود عظيمة في خدمة القرآن والسنة ربما عجزت عن قريب منها مؤسسات ومعاهد.

الثاني: المستشرق الدكتور ف. كرنكو الذي حقَّقَ كتاب (المعاني الكبير) لابن قتيبة الدينوري (ت276هـ) رحمه الله، ثم بعثه لدائرة المعارف العثمانية في حيدر أباد الدكن لطباعته. فقام بمراجعته الشيخ عبدالرحمن بن يحيى العتمي المعلمي اليماني رحمه الله المتوفى سنة 1386هـ. وكتب في مقدمته: (جُلُّ الفضل في إحياء هذا الكتاب الجليلِ لجناب المستشرق الكبير الدكتور كرنكو، وذلك أنَّ الباحثين لم يجدوا لهذا الكتاب أثراً في مكاتب العالم إلا أنهم عثروا على جزء منه في خزانة أيا صوفيا باستانبول رقم 4050 وجزء آخر بمكتب الهند بلندن في القسم العربي رقم 1155 فظفر الدكتور كرنكو عند بعض أصدقائه بنسخةٍ مأخوذةٍ بالتصوير الشمسي عن جزء أيا صوفيا فبادر إلى انتساخها بخط يده، ثم دعته هِمُّته العاليةُ ورغبتهُ الصادقة في إحياء العلم ونشره، إلى تكميل الموجود من الكتاب فنسخ الجزء الثاني من جزء مكتب الهند فحصلتْ له نسخةٌ تحتوي على الجزئين ... ولما رأى الدكتور ما في الأصل من كثرة الخطأ والتصحيف شَمَّر عن ساعد الجدِّ، وبذل غايةَ الجهد في تصحيح نسختهِ، وضَحَّى مقابلَ ذلك بمدةٍ ثَمينةٍ من وقتهِ، صرفها في تقليب المعاجم، وتتبعِ المظانِّ من الكتبِ المطبوعة والخطية التي لم تطبع بعدُ، كما ترى دليل ذلك في تعليقاته القيمة، وبالغ في الاعتناء بتخريج أبيات الكتاب، ولا يَخفى على من زاول مثل ذلك ما فيه من المشقة الشديدة، ثم أكمل ذلك بترتيب الفهارس المتعددة كما يأتي. ثم بعث حضرة الدكتور كرنكو بنسخته المصححة إلى إدارتنا العلمية (دائرة المعارف العثمانية) للطبع، وذكر ما قاساه من سُقْمِ الأصل وأَنَّه مع ما عاناه وبذله من المجهود العظيم في تصحيح النسخة لا يثق بأنه لم يبق في النسخة شيءٌ من الغلط، فأحيلت النسخة إلى كاتب هذه الكلمة – المعلمي – فتصفحتُ الكتابَ،واستدركت بعض ما بقي بحسب ما بلغه علمي، على ما تيسر واتسع له الوقت المقرر)

إلى أن قال: (أكثرُ التعليقات من إفادات حضرة الدكتور كرنكو وبعض التعليقات بقلم كاتب هذه الكلمة وتمتاز في المطبوعة بعلامة في أواخرها وهي حرف (ي) ... علينا وعلى جَميع العالم الأدبي تقديم الشكر الجزيل لحضرة المستشرق الجليل البحاثة الدكتور كرنكو فإن له الفضل في إحياء هذا الأثر الثمين مع ما بذله من المجهود البالغ في تصحيحه والتعليق عليه وترتيب فهارسه، مؤملين أن لا يزال يقدم للعلم وأهله أمثال هذه التحف السنية).

انظر: كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة (ت276هـ) مقدمة المعلمي.

وأدب المعلمي، وتقديره لجهد المستشرق كرنكو ظاهرٌ لا يخفى في كلامه رحمه الله، هذا مع أَنَّ المعلمي من أبرز من كتب الردود العلمية على الطاعنين في السنة وأهل العلم من المنتسبين للعلم من المسلمين، كما في كتابيه في الرد على أبي رية، والكوثري، ومع ذلك لم يغمط المستشرقَ فضلَهُ وجُهدَه بل وكرر ذلك وأعاده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير