تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بوصفك رجلا عالما أن تجزم بهذا؟ وحتى لو كان بعض العلماء الطبيعيين يقولونه، بل لو افترضنا المستحيل وقلنا إن جميع العلماء الطبيعيين يقولون به، أوَيمكنك أنت أو غيرَك أن تقطع بأن هذه هى الحقيقة المطلقة، وضميرك مطمئن؟ إن الأمر فى أسوإ حالاته لهو أمرٌ خلافىّ! وعلى كل حال فليس هناك ما يقطع بأن الرسول محمدا لم يكن فعلا رسولا من عند رب العالمين. وبطبيعة الحال أنا لا أتكلم هنا عن كل المستشرقين بل على قطاع منهم، وإن لم يكن هذا القطاع صغيرا بالمناسبة.

ثم إن كثيرا من العلماء الغربيين يدخلون الإسلام رغم كل الهوان والخزى الذى يحيط بالمسلمين من كل جانب فى هذا العصر العجيب! فلم لا يضع المستشرق من هؤلاء فى ذهنه منذ البداية أنه مقبل على دراسة دين يمكن، رغم كل شىء، أن يتضح أنه دين حق! ونحن، والحمد لله، أكبر من أن نتصور أن سَبْق محمد لنا فى التاريخ وانتماءه إلى مجتمع بدوى متخلف أشواطا هائلة عن مجتمعاتنا المعاصرة، وبخاصة المجتمعات الغربية الصناعية، يسوّغان النظر باستهانة إلى التعاليم والعقيدة والقيم التى أتى بها، فما هكذا يفكر العلماء! وإلا لَنَأَى واحد مثلى بعِطْفه عن دين محمد جانبا (وعن الأديان الأخرى من باب الأولى)، وشمخ بأنفه عاليا، لأنه تعلم تعليما جامعيا راقيا، وسافر إلى أوربا ودرس فى أحسن جامعاتها حتى حصل على الدكتورية، ثم ترقَّى إلى الأستاذية بعد ذلك، وقرأ آلاف الكتب، ويعرف بعض اللغات، وله عدد غير قليل من الكتب ... إلى آخر هذا الكلام الذى لا يؤكّل "عَيْشًا" ولا يجوز إلا فى عقول الحمقى والمغفلين الذين أعوذ بالله أن أكون واحدا منهم! فمحمد، إذا كان رسولا حقا، فـ"طُظْ" وأَلْف "طُظْ" فى الشهادات الجامعية والألقاب العلمية والمعارف المختلفة التى حصّلها الإنسان إذا أوعزت إليه الكِبْر على دين الله والكُفْر برسوله. لكن فلنَعُدْ إلى ما كنا بسبيله، وإلا ظُنَّ أنى أنتهز الفرصة لأدخل فى فاصل من العزف الدِّعائى المنفرد، مع أنى لا أحسن الدعوة إلى الدين رغم أنه شرف، وأى شرف! وعلى كل حال فلست أذكر، كما أشرتُ من قبل، أن أحدا من الباحثين، أو حتى المثقفين، العرب أو المسلمين بوجه عام قد فكر فى دعوة نظير له إلى اعتناق دين الرسول الكريم، اللهم إلا المرحوم أحمد حسين زعيم "مصر الفتاة"، الذى وجه رسالة مفتوحة فيما أذكر إلى "الحاج محمد هتلر" شيخ عموم قبائل جرمانيا العظمى، الذى صنّف أمم العالم فكان كرمًا ولطفًا منه أنْ لم ينزل بالعرب إلى مستوى الحيوانات، بل وضعهم هم واليهود قبل الكلاب وسائر العجماوات بدرجة! والله فيه الخير! ولذلك لا ترانا ننبح مثل الكلاب كما لعلك لاحظت أثناء دراستك فى مصر عندما كنت تترك المحاضرات فى الجامعة وتحتكّ بالناس فى الشوارع والدكاكين كى تتأكد أن عدم النباح ليس مقصورا على المتعلمين وحدهم، بل يشمل كذلك العامةَ خارج المعاهد العلمية! ولقد استطاع اليهود أن يأخذوا حقهم ثالثًا ومثلّثًا من الألمان وما زالوا وسوف يظلّون يستنزفون الألمان ودم الأمان إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، أما نحن فناسٌ على نياتنا: كلمة تؤدّينا، وكلمة تجىء بنا! أو بالبلدى: ناسٌ هُبْل (مقلوب "بُلْه" كما يقولون)!

ما علينا من هذا كله! نعود لما كنا فيه مرة أخرى: كنا نقول إن الباحثين العرب والمسلمين، حين يعيبون المستشرقين لانتقادهم القرآن، لا يفعلون ذلك لأنهم يريدون منهم أن يؤمنوا بأنه كتاب سماوى مثلما يؤمنون هم، بل لأنهم يرون أنهم إنما يدخلون الميدان وقد شمروا عن ساعد التخطئة بأية وسيلة، على طريقة الذئب الذى خرج إلى جدول الماء، وهو مصمم ألا يرجع إلى أولاده إلا باثنين ثلاثة كيلو ضأن. وأنت تعرف باقى القصة، فلا داعى للمضى فيها. ستقول لى: أبدا، فأقول لك بدورى: أَبَدَيْن اثنتين لا أَبَدًا واحدة، وهاك الدليل، ومن كلامك ذاته هذه المرة أيضا!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير