تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَلا لَيتَ سَلمى كُلَّما حانَ ذِكرُها ** تُبَلِّغُها عَنّي الرِياحُ النَوافِحُ

وقول لبيد بن ربيعة:

نَعْلوهُمُ كُلَّما يَنمي لَهُم سَلَفٌ ** بِالمَشرَفِيِّ وَلَولا ذاكَ قَد أَمِروا

وقول مجنون ليلى:

فَلَو كانَت إِذا احْتَرَقَتْ تَفانَتْ ** وَلَكِن كُلَّما اِحتَرَقَتْ تَعودُ

* * *

فَيا لَيتَ أَنّي كُلَّما غِبتُ لَيلَةً ** مِنَ الدَهرِ أَو يَوْمًا تَراني عُيونُها

* * *

وَطالَ امتِراءُ الشَوقِ عَينِيَ كُلَّما ** نَزَفتُ دُموعًا تَسْتَجِدُّ دُموعُ

المهم بالنسبة لما نحن فيه الآن أنها قد أصبحت تقليعة بين طائفة من المستشرقين أن يأخذوا فى تخطئة القرآن أسلوبيا ولغويا بغشمٍ مضحكٍ يذكِّرنى بما تهكم به الشدياق على أمثالهم فى بعض كتبه. ومن هؤلاء ريجى بلاشير، الذى وقفتُ فى الفصل الرابع من الباب الأول من كتابى: "المستشرقون والقرآن" إزاء ما قاله فى هذا الصدد، وبينتُ مقدار السخف والتنطع فى تخطئاته للقرآن. ثم لم يفت محمد أركون الجزائرىَّ العربىَّ لسانا رغم أصله البربرى أن يجرب حظه هو أيضا فى هذا المجال حتى لا يُتَّهَم بأنه مقصِّر فى الهجوم على كتاب الإسلام! فوجدناه يردد ما قاله بلاشير فى ترجمته للقرآن المجيد من أن قوله تعالى (أو قول محمد إذا أحببتَ) فى سورة "الكهف": "ولبثوا فى كهفهم ثلاثمائةٍ سنين، وازدادوا تسعا" هو خروج على الاستعمال الصحيح للأعداد مع التمييز ... إلخ مما دفعنى إلى تبيين جهله للقراء وأنه يهرف بما لا يعرف رغم الطنطنة الدعائية التى يحاط بها لتسويقه بين العرب والمسلمين بوصفه أستاذا جهبذا عبقريا لم تلده ولاّدة (ليست ولاّدة بنت المستكفى كما لا أحتاج إلى توضيح، بل الولاّدة التى تولِّد السيدات). وهذا نص ما كتبتُه عن هذا الموضوع ضمن دراسة لى تناولتْ ما قاله ذلك العبقرى فى القرآن بعنوان "المهزلة الأركونية فى المسألة القرآنية: القرآن مخيال جماعى أم وحى إلهى؟ ": "كذلك يقف أركون يفرك يديه ابتهاجا ساذجا إزاء قوله تعالى فى الآية الخامسة والعشرين من السورة ذاتها عن المدة التى بقيها أصحاب الكهف فى كهفهم: "ولبثوا فى كهفهم ثلاثَمائةٍ سنين وازدادوا تسعا"، وَهْمًا منه، وممن يردد كلامهم بعَبَله دون أن يتوقف ليتثبت منه قبل ترديده، أن فيها شذوذا لغويا، إذ كان ينبغى أن يكون الكلام فى رأيهم هكذا: "ثلاثَمائة ِسنةٍ" لا "ثلاثمائةٍ سنين"، وهو ما يرتبون عليه افتراض "العديد من الافتراضات حول شروط أو ظروف تثبيت النص" كما يقول بلاشير (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 148). ثم يضيف درويشه المتيَّم هاشم صالح فى الهامش قائلا إن "النقد الفيلولوجى يكشف عن أشياء مذهلة ويطرح تساؤلات عديدة، ولكن من دون أن يستطيع القطع بشىء". يقصد أن منهج المستشرقين السابقين لم يكن يساعدهم على الاستفادة من النتائج التى يتوصلون إليها، بخلاف أركون ومنهجه الذى يسوِّل له أن يطير بكل شبهة سخيفة مطنطنا بها ومخطِّئا القرآن دون تبصر أو مراجعة! … إن بلاشير، وأركون مِنْ ورائه، يتصوران أن اللغة العربية لا تعرف إلا وضعا واحدا لكل حالة من حالات التمييز، ومن هنا فإنهم لا يتخيلون أن من الممكن أن يجىء تركيب الكلام فى تمييز "ثلاثمائة" وأمثالها إلا هكذا: "ثلاثمائةِ سنةٍ، ستمائةِ امرأةٍ، تسعمائةِ كتابٍ" بإفراد التمييز وخفضه على الإضافة كما ترى. لكن هذا، وإن كان هو ما يعرف التلاميذ، ليس كل شىء، إذ كان العرب أيضا يجمعون المعدود فى هذه الحالة مع الإضافة أو قطعها، وإن لم يشتهر الجمعُ اشتهار الإفراد. وما دام هذا الاستعمال قد ورد فى القرآن فمعنى ذلك أنه صحيح، حتى لو كان محمد هو مؤلف القرآن، بل حتى لو قلنا إن القرآن قد تعرض لتدخل من العرب بعد وفاة الرسول حسبما يزعم الزاعمون السخفاء. إن القول بغير هذا هو العَتَه بعينه لأنه لا يحدث فى أية لغة فى العالم، إلا أن الحقد المجنون يريد أن يلغى لنا عقولنا فنردد حماقاته دون تبصر، والعياذ بالله! وفى المثال الذى نحن بصدده من سورة "الكهف" يمكننا أن نركِّب الكلام على أكثر من وضع فنقول: "ثلاثَمائةِ سنةٍ، ثلاثَمائةٍ من السنين، سنين ثلاثَمائةٍ، ثلاثمائةٍ سنين، ثلاث مئاتٍ من السنين"، ولكلٍّ نكهتها وظلالها الإيحائية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير