بَينَ بَني جَحْجَبي وَبَينَ بَني ** كُلفَةَ أَنّى لِجارِيَ التَلَفُ؟ وقول كعب بن مالك:
فلْيأتِ مَأْسدَةً تُسَنُّ سُيُوفُها ** بينَ المذادِ وبين جِزعِ الخَنْدقِوقول لبيد بن ربيعة:
بَينَ اِبنِ قُطْرَةَ وَاِبنِ هاتِكِ عَرشِهِ ** ما إِن يَجودُ لِوافِدٍ بِخِطابِ * * *
فَالتَفَّ صَفْقُهُما وَصُبْحٌ تَحتَهُ ** بَينَ التُرابِ وَبَينَ حِنْوِ الكَلكَلِوقول يزيد بن معاوية:
مُقابِلَةً بَينَ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ ** وَبَينَ عَلِيٍّ وَالجَوادِ اِبنُ جَعفَرِوقول أوس بن حجر:
أَم مَن لِقَومٍ أَضاعوا بَعضَ أَمرِهِمِ ** بَينَ القُسوطِ وَبَينَ الدينِ دَلْدالِ؟ * * *
عَلاةٍ كِنازِ اللَحمِ ما بَينَ خُفِّها ** وَبَينَ مَقيلِ الرَحلِ هَولٌ نَفانِفُ
ثم مثال آخر وأخير على ما أقول: فقد قرأ د. صلاح كَزّارة (زميلى السورى هنا بجامعة قطر) منذ عامين كتابى "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين"، وهو عالم مدقق (ومن تلامذة الدكتور فشر، ويثنى كسائر تلاميذ هذا المستشرق عليه ثناء شديدا)، وإذا قرأ شيئا أمسك تلقائيا بقلم رصاص وأخذ يدون ملاحظاته على ما يقابله، فوجد لى هذه الجملة: "من هنا فإننا من الوجهة التاريخية الموثقة نجد أنفسنا، كلما اقتربنا من هذه المسألة، نصطدم بالصمت"، فما كان منه إلا أن صححها فى الهامش إلى "اصطدمنا" قائلا إن من غير المقبول استعمال المضارع فعلاً أو جوابًا لـ"كلما". فقلت له: غريبة أنى استخدمت المضارع هنا رغم أنى لم أكن على وعى بهذا الذى تقول، إذ أشعر أن هذه ليست طريقتى فى الكتابة. ثم عدت فنظرت فى التركيب فوجدت أنه، حتى لو سلّمنا بما يقول، فإن المضارع فيه لم يأت جوابا لـ"كلما"، بل هو خبرٌ للفعل "نجد"، على حين أن "”كلما” وفِعْلها" عبارة اعتراضية. وزِدْتُ على ذلك أَنْ أوردتُ له من أحد المعاجم النحوية شاهدا على مجىء جواب "كلما" فعلا مضارعا، لكنه قال إن هذا الشاهد، فيما يبدو، من الشعر الحديث لا القديم، ومن ثَمَّ لا يجوز الاحتجاج به. فسكتّ، وماذا كان بإمكانى أن أصنع؟ ثم مضت الأيام، وهززت رأسى، وهى حركة ذات دلالة خطيرة، إذ تعنى أننى شرعت أفكر تفكيرا مستقلا، ويمكننى إذن أن أصل إلى شىء جديد. وقد كان، فقد رجعت للموسوعة الشعرية القُرْصِيّة وبحثت فيها، فإذا ببنت الحلال (أى الموسوعة، فلا يذهبنّ ذهن القراء بعيدا) تقدّم لى فى دقيقة أكثر من عشرة شواهد من الشعر القديم على استعمال المضارع مع "كلما". وقد أخذتُ الشواهد فى اليوم التالى إلى الزميل المذكور الذى لم يُحْوِجْنى إلى طويل جدال، بل سلّم من الوهلة الأولى قائلا ببساطة عظيمة: "إذن فما كنا نقرؤه عن خطإ هذا الاستعمال لا أصل له"! فهذا، يا دكتور مورانى المحترم، هو الموقف العلمى السليم لا الطيران إلى تخطئة القرآن الكريم بحجة أن نولدكه كان يعرف اللغات السامية! وها أنذا أورد بعض تلك الشواهد التى عثرت عليها من عصور الاحتجاج على استعمال المضارع مع "كلما". فمن ذلك قول أبى نواس:
صَهباءُ تَبني حَباباً كُلَّما مُزِجَت ** كَأَنَّهُ لُؤلُؤٌ يَتلوهُ عِقيانُ
وقول الأخطل:
يَخْشَيْنَهُ كُلَّما ارتَجَّت هَماهِمُهُ ** حَتّى تَجَشَّمَ رَبْوًا مُحْمِشَ التَعَبِ
وقول الأعشى:
تَخالُ حَتْمًا عَلَيها كُلَّما ضَمَرَتْ ** مِنَ الكَلالِ بِأَن تَستَوفِيَ النِّسعا
وقول الفرزدق:
إِذا حارَبَ الحَجّاجُ أَيَّ مُنافِقٍ ** عَلاهُ بِسَيفٍ كُلَّما هُزَّ يَقْطَعُ
وقول الكُمَيْت بن زيد:
تكاد العُلاة الجَلْس منهن كلما ** ترمرمُ تُلقِي بالعَسِيب قَذَالَها
وقول جرير:
بانَ الخَليطُ بِرامَتَينِ فَوَدَّعوا ** أَو كُلَّما رَفَعوا لِبَينٍ تَجزَعُ؟
وقول حُمَيْد بن ثور:
وَما لِفؤادي كُلَّما خَطَرَ الهَوى ** عَلى ذاكَ فيما لا يواتيهِ يَطمَع؟ ُ
وقول خفاف بن ندبة السلمى:
جُلْمودُ بصرٍ إِذا المِنقارُ صادَفَهُ ** فَلَّ المُشَرْجَعُ مِنها كُلَّما يَقَعُ
وقول عمر بن أبى ربيعة:
إِذا زُرتُ نُعْمًا لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ ** لَها كُلَّما لاقَيْتُها يَتَنَمَّرُ
* * *
كُلَّما توعِدُني تُخْلِفُني ** ثُمَّ تَأتي حينَ تَأتي بِعُذُر
* * *
يَجري عَلَيها كُلَّما اغتَسَلَتْ بِهِ ** فَضْلُ الحَميمِ يَجولُ كَالمَرْجانِ
وقول كعب بن زهير:
¥