تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأُبْرِزوا بصعيدٍ مستوٍ جُرُزٍ = وأُنْزِل العرش والميزان والزُّبُرُ

وحوسبوا بالذى لم يُحْصِه أحدٌ = منهم، وفى مثل ذاك اليوم مُعْتبَرُ

فمنهمو فَرِحُ راضٍ بمبعثه = وآخرون عَصَوْا، مأواهم السَّقَرُ

يقول خُزّانها: ما كان عندكمو؟ = ألم يكن جاءكم من ربكم نُذُرُ؟

قالوا: بلى، فأطعنا سادةً بَطِروا = وغرَّنا طولُ هذا العيشِ والعُمُرُ

قالوا: امكثوا فى عذاب الله، ما لكمو= إلا السلاسل والأغلال والسُّعُرُ

فذاك محبسهم لا يبرحون به = طول المقام، وإن ضجّوا وإن صبروا

وآخرون على الأعراف قد طمعوا = بجنةٍ حفّها الرُّمّان والخُضَرُ

يُسْقَوْن فيها بكأسٍ لذةٍ أُنُفٍ = صفراء لا ثرقبٌ فيها ولا سَكَرُ

مِزاجها سلسبيلُ ماؤها غَدِقٌ = عذب المذاقة لا مِلْحٌ ولا كدرُ

وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها = ولا البصير كأعمى ما له بَصَرُ

فاسْتَخْبِرِ الناسَ عما أنت جاهلهُ = إذا عَمِيتَ، فقد يجلو العمى الخبرُ

كأَيِّنْ خلتْ فيهمو من أمّةٍ ظَلَمَتْ = قد كان جاءهمو من قبلهم نُذُرُ

فصدِّقوا بلقاء الله ربِّكمو = ولا يصُدَّنَّكم عن ذكره البَطَرُ

* * *

قال: ربى، إنى دعوتك فى ا لفـ=ــجر، فاصْلِحْ علىَّ اعتمالى

إننى زاردُ الحديد على النـ=ــاس دروعًا سوابغ الأذيالِ

لا أرى من يُعِينُنِى فى حياتى = غير نفسى إلا بنى إسْرالِ

وقد ظنت طوائف المبشرين ممن فقدوا رشدهم وحياءهم أن بمستطاعهم الإجلاب على الإسلام ورسوله وكتابه بالباطل فأخذوا يزعمون أن القرآن مسروق من شعر أمية بن أبى الصلت لهذه المشابهات. والواقع أن عددا من كبار دارسى الأدب الجاهلى، من المستشرقين قبل العرب والمسلمين، قد رَأَوْا عكس هذا الذى يزعمه المبشرون، إذ قالوا بأن هذه الأشعار التى تُنْسَب لأمية مما يتشابه مع ما ورد فى القرآن عن خلق الكون والسماوات والأرض، وعن العالم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وجنة ونار، وعن الأنبياء السابقين وأقوامهم وما إلى ذلك، هى أشعار منحولة عليه. قال ذلك على سبيل المثال تور أندريه وبروكلمان وبراو من المستشرقين، ود. طه حسين والشيخ محمد عرفة ود. عمر فروخ ود. شوقى ضيف ود. جواد على وبهجة الحديثى من العلماء العرب، وإن كان من المستشرقين مع ذلك من يدعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخذ بعض قرآنه من شعر هذا المتحنّف كالمستشرق الفرنسى كليمان هوار، ومنهم من قال إن الرسول وورقة قد استمدا كلاهما من مصدر واحد.

وإلى القارئ تفصيلا بهذا: فالمستشرق الألمانى كارل بروكلمان يؤكد أن أكثر ما يُرْوَى من شعر أمية هو فى الواقع منحول عليه، ماعدا مرثيته فى قتلى المشركين ببدر، وأنه إذا كان كليمن هوار المستشرق الفرنسى قد زعم أن شعره كان مصدرا من مصادر القرآن، فإن الحق ما قال تور أندريه من أن الأشعار التى نظر إليها هوار فى اتهامه هذا إنما هى نَظْمٌ جَمَع القُصَّاصُ فيه ما استخرجه المفسرون من مواد القصص القرآنى، وأن هذه الأشعار لا بد أن تكون قد نُحِلَتْ لأمية منذ عهد مبكر لا يتجاوز القرن الأول للهجرة، فقد سماه الأصمعى: "شاعر الآخرة"، كما أراد محمد بن داود الأنطاكى أن يفتتح القسم الثانى فى الدِّينِيّات من كتابه "الزهرة" بأشعار أمية (كارل بروكلمان/ تاريخ الأدب العربى/ ترجمة د. عبد الحليم النجار/ ط4/ دار المعارف/ 1/ 113). يريد بروكلمان أن يقول: لولا أنه كان هناك شعر يدور حول الموضوعات الدينية التى ذكرناها قبلا منسوب لأمية منذ ذلك الوقت المبكر لما أطلق عليه الأصمعى هذه التسمية ولما فكر الأنطاكى أن يورد له أشعارا دينية فى كتابه المذكور. ويقول المستشرق براو كاتب مادة "أمية بن أبى الصلت" بالطبعة الأولى من "دائرة المعارف الإسلامية"، تعليقا على اتهام هوار للقرآن بأنه قد استمد بعض مواده من أشعار أمية، إن صحة القصائد المنسوبة لهذا الشاعر أمر مشكوك فيه، شأنها شأن أشعار الجاهليين بوجه عام، وإن القول بأن محمدا قد اقتبس شيئا من قصائد أمية هو زعم بعيد الاحتمال لسبب بسيط، هو أن أمية كان على معرفة أوسع بالأساطير التى نحن بصددها، كما كانت أساطيره تختلف فى تفصيلاتها عما ورد فى القرآن. ثم أضاف أنه، وإن استبعد أن يكون أمية قد اقتبس شيئا من القرآن، لا يرى ذلك أمرا مستحيلا. وهو يعلل التشابه بين أشعار أمية وما جاء فى القرآن الكريم بالقول بأنه قد انتشرت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير