تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فى أيام البعثة وقبلها بقليل نزعات فكرية شبيهة بآراء الحنفاء استهوت الكثيرين من أهل المدن كمكّة والطائف، وغذّتها ونشّطتها كلٌّ من تفاسير اليهود للتوراة وأساطير المسلمين. ثم يخبرنا براو بما توصَّل إليه تور أندريه من أنه ليس فى قصائد أمية الدينية ما هو صحيح النسبة إليه، وأن هذا اللون من شعره هو من انتحال المفسرين (دائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 4/ 463 - 464).

وعند طه حسين أن "هذا الشعر الذى يضاف إلى أمية بن أبى الصلت وإلى غيره من المتحنفين الذين عاصروا النبى (صلى الله عليه وسلم) وجاؤوا قبله إنما نُحِلَ نَحْلاً. نحله المسلمون ليثبتوا أن للإسلام قُدْمَةً وسابقةً فى البلاد" (فى الأدب الجاهلى/ دار المعارف/ 1958م/ 145). ويرى الشيخ محمد عرفة أنه لو كانت هناك مشابهةٌ فعلا بين شعر أمية والقرآن الكريم لقال المشركون، الذين تحداهم الرسول بأن يأتوا بآية من مثله، إن أمية قد سبق أن قال فى شعره ما أورده هو فى القرآن زاعمًا أنه من لدن الله. لكنهم لم يقولوا هذا، بل اتهموه بأنه إنما يعلّمه عبد أعجمى فى مكة. كذلك يؤكد أن شعر أمية لا يشبه فى نسيجه شعر الجاهلية القوى المحكم، إذ هو شعر بيِّن الصنعة والضعف على غرار شعر المولَّدين. ومن هنا كان هذا الشعر المنسوب لذلك المتحنف الطائفى هو شعر منحول عليه ومنسوب زورا إليه (من تعليق الشيخ محمد عرفة على مادة "أمية بن أبى الصلت" فى "دائرة المعارف الإسلامية"/ 4/ 465).

أما د. عمر فروخ فيؤكد أن القسم الأوفر من شعر أمية قد ضاع، وأنه لم يثبت له على سبيل القطع سوى قصيدته فى رثاء قتلى بدر من المشركين. وبالمثل نراه يؤكد أن كثيرا من الشعر الدينى المنسوب لذلك الشاعر هو شعر ضعيف النسج لا رونق له (د. عمر فروخ/ تاريخ الأدب العربى/ ط5/ دار العلم للملايين/ 1948م/ 1/ 217 - 218). ويرى د. شوقى ضيف أن المعانى التى يتضمنها شعر أمية مستمدة من القرآن بصورة واضحة، إلا أنه لا يرتب على ذلك أن يكون أمية قد تأثر بالقرآن، بل يؤكد أن الشعر الذى يحمل اسمه هو شعر ركيك مصنوعٌ نَظَمَه بعضُ القُصّاص والوُعّاظ فى عصور متأخرة عن الجاهلية. وردًّا على دعوى هوار بأن القرآن قد استمد بعض مادته من أشعار أمية يقول الأستاذ الدكتور إن ذلك المستشرق لا علم له بالعربية وأساليب الجاهليين، وإلا لتبين له أنها أشعار منحولةٌ بيِّنة النحل، ولما وقع فى هذا الحكم الخاطئ (د. شوقى ضيف/ العصر الجاهلى/ ط10/ دار المعارف/ 395 - 396).

ويؤكد د. جواد على فى كتابه "المفصل فى تاريخ العرب" أن بعض أشعار أمية الدينية مدسوسة عليه، ومن ثَمّ لا يمكن أن يكون أميّة قد اقتبس شيئا من القرآن، وإلا لقام النبى عليه الصلاة والسلام والمسلمون بفضحه. وعلى هذا فهو أيضا يرى أن شعره الذى يوافق فيه القرآنَ إنما صُنِع بعد الإسلام صنعا لأنه ليس موجودا فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا غيرهما من الكتب الدينية، اللهم إلا القرآن الكريم، وأن أكثره قد وُضِع فى عهد الحجاج تقربا إليه، وبخاصة أن شعره الدينى يختلف عن شعره المَدْحِىّ والرثائى وغيره، إذ يقترب من أسلوب الفقهاء والمتصوفة ونُسّاك النصارى، كما تكررت إشارات الرواة إلى أن هذا الشعر أو ذاك مما يُعْزَى له قد نُسِب لغيره من الشعراء. ثم إنه قد مدح الرسول عليه السلام، كما أن فى الشعر المنسوب له ما يدل على أنه قد آمن به، فكيف يتسق هذا مع رثائه لقتلى بدر من المشركين؟ (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 491 - 496). أما بهجة عبد الغفور الحديثى فإنه يقسم شعر أمية الدينى إلى قسمين: قسم يظهر عليه أثر الحنيفية وكتب اليهود والنصارى، وقسم يظهر عليه أثر القرآن. وهو يميل إلى أن يكون القسم الأول له كما يظهر من أسلوبه ومعانيه، أما الثانى فمنحول عليه بدليل ما يبدو عليه من ركاكة لغته وضعف صياغته، ومن أسلوبه المستمد من القرآن (أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره/ 127).

وقد بحثت عن طريق المشباك (النِّتّ) فى كتب الأحاديث النبوية الشريفة عن روايات تذكر شيئا من شعر أمية فلم أجد إلا ثلاثة أبيات له فى مُسْنَد أحمد يتحدث فيها عن الشمس وعرش الله بما لم يأت شىء منه فى القرآن، وأن الرسول عليه السلام قد صدّقه فيها، وهذا نصها:

رجلٌ وثورٌ تحت رجْل يمينه = والنسر لليسرى، وليثٌ مُرْصَدُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير