تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشمس تطلع كل آخر ليلة = حمراءَ يصبح لونها يتورّدُ

تأبَى فلا تبدو لنا فى رِسْلها = إلا مُعَذَّبَةً وإلا تُجْلَدُ

كما جاء أيضا فى مُسْنَدَىْ ابن ماجة وأحمد أن الشريد بن الصامت قد أنشد النبىَّ ذات مرة مائة بيت من شعر أمية، وكان كلما انتهى من إنشاد بيتٍ قال النبى عليه الصلاة والسلام: "هِيهْ"، يستحثه على الاستمرار فى الإنشاد، ثم عقّب صلى الله عليه وسلم فى النهاية قائلا: "كاد أن يُسْلِم"، وفى رواية أخرى فى مسند أحمد أن النبى لم يعلّق فى نهاية الإنشاد بشىء، بل سكت فسكت الشريد بدوره. وهذا كل ماهنالك، فلم نعرف من الحديث ما هى الأبيات التى أنشدها الصحابى الكريم على مسامع رسول الله، ولا مدى مشابهتها للقرآن. على أن هاهنا نقطة لا بد من تجليتها قبل الانتقال إلى شىء آخر، إذ لا أظن الصحابى الجليل قد قصد عدد المائة تحديدا، فليس من المعقول أنه كان يعدّ الأبيات التى كان ينشدها على مسامع النبى أوّلاً بأوّل وهو يتلوها. ذلك أمر غير متخيَّل، والأرجح بل الصواب الذى لا أستطيع أن أفكر فى غيره أنه أراد الإشارة إلى أنه قد أنشد سيّدَ الأنبياء عددا غير قليل من الأبيات.

كذلك رجعتُ إلى تخريجات القصائد المشابهة للقرآن الكريم التى قام بها بهجة الحديثى فى رسالته عن أمية، فلفت انتباهى أن هذه القصائد، أو على الأقل الأبيات التى يوجد فيها ذلك التشابه، لم تَرِدْ فى أىٍّ من كتب الأدب واللغة والتاريخ والتفسير المعتبرة ككتاب "جمهرة أشعار العرب" لأبى زيد القرشى، أو "طبقات الشعراء" لابن سلام، أو "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، أو "الأغانى" للأصفهانى، أو "تاريخ الرسل والملوك" أو "جامع البيان فى تفسير القرآن" للطبرى مثلا. بل إن كثيرا من هذه الأشعار لم تَرِدْ فى طبعة الديوان الأولى، فضلا عن أن بعضها قد نُسِب فى ذات الوقت إلى غيره من الشعراء. ونقطة أخرى مهمة جدا: لماذا لم يُثِرْ علماؤنا المتقدمون قضية التشابه بين شعر أمية والقرآن الكريم باستثناء محمد بن داود الأنطاكى، الذى كان يردّ، فيما يبدو، على من اتهم القرآن بالأخذ عن أمية بأن ذلك غير صحيح لأنه عليه السلام لا يمكن أن يستعين فى كتابه بشعر رجل أقر بنبوته وصدّق بدعوته، وأنه لو كان صحيحا رغم ذلك لسارع أمية إلى اتهام الرسول بالسرقة من شعره، وبذلك تسقط دعوته صلى الله عليه وسلم بأيسر مجهود وأقلّه؟ (الزهرة/ تحقيق د. إبراهيم السامرائى ود. نور حمود القيسى/ ط2/ مكتبة المنار/ الزرقاء/ 1406هـ- 1985م/ 2/ 503). لقد كان ابن داود الأنطاكى من أهل القرن الثالث الهجرى، فى حين أن صاحب "الأغانى" قد جاء بعده بقرن، فكيف اطمأن المتقدم وشكّ المتأخر، أو فلنقل: كيف أورد المتقدمُ الشعرَ المنسوب لأمية، بينما لم يورده الأصفهانى، الذى جاء بعده بقرن كما قلنا؟ والأحرى أن يكون الوضع بالعكس حيث يكون المتقدم أقرب زمنا إلى صاحب الشعر فيستطيع من ثم أن يحسم الحكم فى مسألة نسبة الشعر إليه، على الأقل قبل تراكم الروايات وازدياد صعوبة غربلتها وإصدار حكم بشأنها. بَيْدَ أن مثل هذا الوضع لا غرابة فيه، فعندنا مثلا ابن إسحاق وابن هشام اللذان اشتركا فى كتابة "سيرة رسول الله": تأليفًا بالنسبة لابن إسحاق، ومراجعةً وتعليقًا وتنقيةً بالنسبة لابن هشام، وجاء الأول قبل الثانى بزمن غير قصير كما هو معروف، ومع هذا لم يمنع ابنَ هشام تأخُّرُ زمنه عن النظر فى السيرة التى كتبها سَلَفُه وإجالة قلمه فيما يرى أنه لا بد من تغييره أو تصحيحه أو التعليق عليه بما يرى أنه الصواب أو الأقرب للحق، مثلما فعل عندما أنكر على ابن إسحاق مثلا إيراد أشعار لآدم وثمود والجن، بل لأفراد من قريش ذاتها ممن قال إن أهل العلم لا يعرفون لهم شعرًا أصلا أو ينكرون ما ينسب إليهم من شعر. والمسألة بَعْدُ هى مسألة اختلاف فى شخصية الباحث ما بين مطمئنٍ يقبل ما يُرْوَى له ومدقِّقٍ لا يقبل إلا بعد تمحيص وتقليب ... وهكذا. ومعروف أن ابن سلام وابن قتيبة وأبا الفرج الأصفهانى هم من النقاد ومؤرخى الأدب القدماء المشهود لهم بالتمحيص والتنقيب وعدم قبول أى شىء على علاته، بينما لا يزيد ما فعله ابن داود الأنطاكى فى كتابه "الزهرة" عن جمع الأشعار وتنسيقها، إلا حين يعلّق بكلمة هنا أو هناك تدور عادةً على شرح لفظة صعبة أو تحليل جانب من جوانب عاطفة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير