تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن العلوم الكونية، ومنها علوم الطب والصحة. لا تدخل ـ بصورةٍ مباشرةٍ في مهمات الرسالة السماوية ـ مع ورود إشارات لها في القرآن الكريم ـ لذا كان على الإنسان تطوير هذه العلوم، والارتقاء بها لتتماشى مع التوجيه القرآن غير المباشر، الذي يطلب من المرء الحفاظَ على جسده وصحته، ففي الآية القرآنية (وقرآن الفجر. إن قرآن الفجر كان مشهودا (. (الإسراء ـ 78) دعوةٌ للنهوض من النوم لتأدية صلاة الفجر، على الرغم ممّا في هذه الدعوة من تعكيرٍ للنوم، وحرمانٍ للجسم من أخذ كفايته من الراحة والسكينة، ولقد أثبتت الدراسات الطبية مقدار ما في النهوض المبكّر من فوائد صحية للجسم، لأن النوم المتواصل من شأنه أن يعرّض صاحبه للإصابة بأمراض القلب، وقد علّلت الدراسات ذلك بأن ثمّة مادة دهنيةً مذابةً في الدم تترسّب في جدران الشرايين التاجية القلبية، تعطّل وظيفة الشرايين في التغذية، وتُفقدها قابليات المرونة المطاطية، فلا تصلح لضخ كمياتٍ مناسبة من الدم اللازمة لتغذية أنسجة القلب العضلية، وينتج عن ذلك تضيّقٌ لمجرى الشرايين. لذلك تنبّه كثيرٌ من العلماء والمفكرين في الغرب إلى هذه المسألة التي نبّه إليها الإسلام، فحرصوا على النهوض من النوم بعد أربع ساعات، لإجراء بعض الحركات الرياضية، لمدة ربع ساعة، للحفاظ على طراوة الشرايين القلبية، ووقايتها بالحركة من الترسّبات الدهنية.

ولو عدنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أنه قد "سبق الطب الحديث في اكتشاف هذه الظاهرة، والإشارة إليها، ووضع التدابير الصحية الرائعة عندما أوصى بالنهوض إلى صلاة التهجّد في الثلث الأخير من الليل ثمّ انتظار صلاة الفجر ... " (4) فحقق بذلك الفائدة الصحية، مع العبادة في النهوض إلى الصلاة، التي يتوجّه فيها المؤذن بالنداء الخالد: "الصلاة خيرٌ من النوم" وكأنه يثيرنا بالرياضة، ويغرينا بالعبادة، ويذكّرنا بأن العبادة رياضة، والرياضةَ صحةٌ وحياة، وإن الإنسان المعاصر ليستشعر أهمية هذه الرياضة الصباحية التي أكّدت الحقائق الطبية الحديثة نجاعتها وجدواها، ومن ثمّ الانطلاق للعمل في البكور بعد الصلاة فقال الرسول ([باكروا الغدوَ ـ أي الصباح ـ في طلب الرزق، فإن الغدو بركةٌ ونجاح] وقال أيضاً: "اللهم بارك لأمتي في بكورها "ورُويَ عن السيدة فاطمة رضي الله عنها أنها قالت" مرَّ بي رسول الله وأنا مضطجعة، فحرّكني، ثمّ قال: يا بُنية قومي اشهدي رزقَ ربك، ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس".

إن من ملامح الإعجاز البياني في القرآن الكريم مواكبة النصّ القرآني للمكتشفات العلمية، ومطابقته للظواهر المكتشفة، من ذلك مثلاً ما ورد في (سورة الطارق ـ 11) من قوله تعالى

(والسماء ذاتِ الرجع، والأرض ذات الصدع (إذ فسّر المفسرون الأوائل" رجعَ السماء" بأنه المطر. أمّا اليوم فقد أصبحنا نعرف للسماء صوراً أخرى كثيرةً للرجع، منها رجع الموجات الكهرومغنطيسية التي تنقل لنا موجات المذياع والتلفاز واللاسلكي وغيره، وأيضاً رجع الغلاف الجوي للأشعة الكونية، والأشعة الشمسية، لحماية الأرض والأحياء من تلك الأشعة القاتلة.

وأما "صدع الأرض" فقد فسّروها في القديم بتصدّع التربة عن البذرة، لتخرج منها النبتة، أمّا اليوم، فقد بتنا نعرف صدوعاً أخرى للأرض، ربما كانت أهمَّ من تلك الصدوع التي يخرج أنه المطر. أنا اليوم فقد أصبحنا نعرف للسماء صوراً أخرى كثيرةً للرجع، منهامنها النبات، ألا وهي تلك الصدوع العميقة، التي تمتدّ في قيعان المحيطات والبحار، وتتفتّق عن براكينَ وحممٍ عظيمةٍ من باطن الأرض، لتحمي الكرةَ الأرضية من انفجارٍ، لو لم تكن فيها تلك الصدوع.

وهكذا نجد أن اللفظ القرآني، لاسيما ما يتعلّق منه بالظواهر الكونية، قابلٌ لتجديد فهمه على مرّ العصور، وفقاً لما يكتشفه العلم من حقائق جديدة" (5).

ـ ولكن. كيف يتم النظر إلى اللمحة العلمية القرآنية؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير