تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن ما يُطلق عليه التفسير العلمي للقرآن بدعوى (العلمية) لونٌ من ألوان الاجتهاد، لتفسير القرآن بالعلم، بغية تأكيد العظمة الحقيقية للإعجاز المفحم في القرآن الكريم، إضافة إلى أنه كتاب عقيدة وتشريع محكم الآيات، متسق الصياغة، مطّرد الدلالة، لا تناقض فيه ولا اضطراب، ولا اختلاف، لأنه من عند الله (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً (. (النساء ـ 82).

ولقد ظهرت النزعة (العلمية) منذ قرون. إذ أُخضعت الكثير من الآيات القرآنية لبعض معارف العلم الطبيعي المستحدثة، وقد انطلق أصحابها من فحوى الآية القرآنية: (ما فرطنا في الكتاب من شيء‍ (. (الأنعام ـ 38) واستوحوا منها احتواء القرآن على جميع العلوم والمعارف جملةً وتفصيلاً، ولم يكتفوا باحتوائه على أصول وضوابط عامة (كليات) يعمل الناس وفق هديها، وإنما تركوا فيها الباب مفتوحاً للمجتهدين والمشتغلين بالعلوم، يدرسون تفاصيلها وفق مقتضيات الزمان الذي يعيشون فيه، والمكان الذي يسعون فوقه.

لقد ابتدأت نزعة التفسير العلمية منذ العصر العباسي حين ظهرت محاولات للتوفيق بين القرآن وما جدَّ في العصر من علوم، اهتمّ بها كثيرون، من بينهم "الغزالي" الذي قال في كتابه (إحياء علوم الدين) إن "القرآن يحوي سبعةً وسبعين ألف علم ومائتي علم. إذ كل كلمةٍ علمٌ ثمّ يتضاعف ذلك إلى أربعة أضعاف. إذ لكل كلمة ظاهرٌ وباطن، وحدٌّ ومطلع" ثمّ يقول: "إن كل ما أشكل فهمه على النظّار، واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات في القرآن إليه، رموزٌ ودلالات عليه، يختصّ أهل الفهم بإدراكها".

وظهرت مثل هذه المحاولات لدى "الفخر الرازي" ضمن تفسيره للقرآن، ثمّ تعدّدت بعد ذلك الكتب المستقلة التي تناولت الظواهر العلمية، التي استدلّ بها أصحابها على النصوص القرآنية، في الوقت الذي اندفع فيه أصحاب هذه النزعة باتجاه الثقافة الأجنبية التي هبّت على الأمة الإسلامية، فظهرت نزعات فلسفية صوفية في التفسير، متأثرة بالثقافتين الهندية واليونانية، منذ منتصف القرن الثاني الهجري، وعرف الناس التفسير الصوفي النظري، والتفسير الإشاري الفيضي. لكنّ عدداً من الفقهاء رأوا فيها خروجاً عن العقيدة السليمة.

إن من المسلّم به علمياً وجود فروق بين كل من الفرضية والنظرية والقانون "فالقانون علاقة محددة تربط برباط الضرورة بين الظواهر أو بين عناصرها. أمّا النظرية، فإنها صياغة (عمومية) لتفسير أسباب الظواهر، وكيفية حدوثها، في حين أن الفرضية تفسير أولي للظواهر، يقوم على التخمين والمعقولية، ولو لم يمكن إثباته. فالنظرية والفرضية كلتاهما إذن قابلةٌ للتعدّد، وقابلةٌ للتغيير أيضاً، ومن ثمّ فإن في تفسير القرآن بهما تعويضاً له هو أيضاً قابلاً للتعدّد والتبديل" (6). وهذا مستحيل!.

لقد وقف أحد العلماء المعاصرين عند الآية القرآنية (إن الله فالق الحب والنوى. يخرج الحيّ من الميت، ومخرج الميت من الحيّ (. (الأنعام ـ 95) وأعمل الفكر في المعنيين الظاهر والباطن اللذين أشار إليهما (الغزالي) في إحياء علوم الدين، فوجد أن المعنى الظاهر يتجلّى في هيمنة القدرة الإلهية على مصير الحبة الجافة، والنواة الساكنة، فيهب كليهما الحياة، وتنشقّ كلّ منهما عن جنين أو بادرةٍ صغيرةٍ فيها حياةٌ بعد سكون، فنراها وقد ارتفع ساقها إلى الشمس والهواء، واتجه جذرها إلى الأرض باحثاً عن عناصر الغذاء.

هذا المعنى الظاهر، مع صلاحه لإثارة مكامن الفكر عند الإنسان العادي، وتوضيح عظمة الله فيما خلق، وبيان كيف أن الحبة، أو النواة تنفلق، وتنشقّ عن شجرةٍ كبيرة، فإن المعنى الباطن الذي يراه رجل العلم في قوله تعالى: (فالق الحب والنوى (يقوم على نظرياتٍ وقوانين وعلوم فيزيائية وكيميائية وبيولوجية تملأ الصفحات الطويلة من الكتب، ويمكن لنا إيجازها بشيء من التبسيط، بالقول: "إن لكل شيءٍ في الكون مركزاً أو نواةً، ولا يقتصر هذا على نظرتنا القاصرة في نواة البلح أو نواة أي ثمرة أخرى، ولكننا نرى فيها صوراً رائعة نستطيع أن ننهل من مواردها الكثير. ثمّ إذا بنا في النهاية نرى وحدانية الخالق تتجلّى لنا في وحده خلقه، من أصغر الأشياء إلى أكبرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير