الأول: معجزة نسبية، وهذه التي تكون بمقدور البشر، ويتفاوتون فيها، فما يكون معجزًا بالنسبة لعامة الناس لا يكون معجزًا بالنسبة لخاصتهم، ومن هذا فنون السحرة وغيره مما لا يدخل في مقدور كل الناس، لذا لا يقال: إن الأكل معجزة، ولا الشرب معجزة، لكن لو شرب ما لا يُعتاد عليه كأن شرب السُّمَّ ولم يؤثر فيه، قيل: هذا أمر فيه إعجاز؛ لأنه ليس كل واحد من البشر يستطيع ذلك.
الثاني: معجزة كلية، وهي التي لا يقدر عليها جميع الخلق ولو اجتمعوا، وهذه معجزات الأنبياء الكبرى الدالة على صدقهم، وصدق ما جاءوا به من عند الله.
ثانيًا: إن الخروج عن مصطلح القرآن والسنة لآية النبي بمسمى المعجزة قد جعل المصطلحِين يذهبون إلى تحديدات وتقييدات كثيرة قد لا تتناسب مع آيات الأنبياء، وهذا ظاهر جدًّا عند من يقرأ في تاريخ المعجزة عند المتكلمين ومن تبعهم.
ثالثًا: إن اشتراط التحدي في المعجزة غير متلائم مع طبيعة معجزات الأنبياء، وفي ذلك نظر من واقع معجزاتهم، منه:
1 ـ أنه لم يرد وقوع التحدي في معجزات الأنبياء سوى التحدي بالقرآن، فمَن مِن الأنبياء تحدى قومه بأن يأتوا بمثل معجزته؟!
2 ـ أن للنبي صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة، منها ما كان بين المشركين؛ كانشقاق القمر، ومنها ما كان بين المؤمنين، ومناه ما ظهر له منفردًا، وأخبر عنه، ولم يرد في أي شيء منها أنه قُرِنَ بالتحدي البتة.
ومن هنا فإن شرط التحدي في المعجزة قد قصرها على آية واحدة من آيات الأنبياء عليهم السلام، وهي التحدي بالقرآن دون غيره من معجزاتهم، أو معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
رابعًا: إن المصطلحات لا تغير الحقائق، لذا فتقسيم الخارق للعادة إلى إرهاصات ومعجزات وكرامات لا يغيِّر من كونها كلها معجزة، فالمصطلحات لا تؤثر في الحقائق وتغيرها.
ويظهر أن مما دعا إلى ذلك اشتراط التحدي، بحيث جُعلت بعض المعجزات التي تظهر على يد النبي أو الولي كرامات؛ لأنها لا يقع بها التحدي.
وهذا التقسيم أثر عن اشتراطٍ فيه نظر، فيبطل التقسيم من هذه الجهة، والله أعلم.
فإن قلت: ألا تلتبس الخوارق التي تظهر على يد غير النبي عليه السلام بالخوارق التي تظهر على يده؟
فالجواب:
لا، لأن صدق النبي لا يُعلم من جهة المعجزات فحسب، بل يعلم من أحواله وأقواله وأفعاله، فكلها تدل على صدقه، ودليل ذلك حادث أبي سفيان مع هرقل لما سأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه صدَّق بنبوته دون أن يكون ظهر له معجزة من معجزاته، وإنما كان إيمانه به بسبب ما يعرفه من أحوال الأنبياء وصدقهم.
وكل من اتبع النبي عليه السلام فأجرى الله على يده خارق عادةٍ فإنه لا يمكن أن يدعي به النبوة، ولم يقع هذا البتة؛ لأنه لو ادَّعى ذلك لكشف الله كذبه.
ثم إن خوارق العادات التي تظهر على أيدي أتباع الأنبياء لا يمكن أن تكون أعظم من آيات الأنبياء، وإن شابهت بعضها ببعض الأحوال، وهذا يُعلم باستقراء خوارق العادات التي ظهرت على أيدي أتباع الأنبياء عليهم السلام.
وأخيرًا، فإن مفهوم المعجزة قد التبس به الحق بالباطل، وظهرت فيه أقاويل مخالفة للحق، ولعل الله ييسر أن يُكتب فيها من خلال آيات الأنبياء وآيات نبينا صلوات الله وسلامه عليهم دون التأثر بتقعيدات المتكلمين الذين نحو بالمعجزات إلى مناحي مختلفة، والأمر في قضية المعجزة يطول، والله الموفق.
ـ[المجدد الوسطي]ــــــــ[22 Jul 2005, 05:35 م]ـ
هذا الكلام الذي ذكرته حسن فضيلة الدكتور ولعل الله ييسر ان يوضع بين يدي العلامة حفظه الله ليطلع عليه وياتيك خبره وفقك الله لكل خير
اخوك المجدد
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[23 Jul 2005, 12:52 م]ـ
¥