تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووصف الله تعالى إتيان النبي الأمي – عليه صلوات الله وسلامه – بالقرآن بأنه آية (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون * بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم). ووصف اعتراف أهل الكتاب بالقرآن الكريم بناء على م وجدوه في كتبهم من وصفه بكونه آية (أولم يكن لهم ءايةً أن تعلمه علماؤا بني إسراءيل * ولو نزلناه على بعض الأعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنون) الشعراء 197 - 199. وهكذا فإن القرآن آيات بينات والقرآن الكريم هو معجزة النبي –عليه الصلاة والسلام – الكبرى الباقية ما بقي الزمان شاهداً لأهل كل زمان يشهدون منها ما يدفعهم إلى الإيمان حسب ما سبق في علمه –جل وعلى- من هدايتهم على حد قوله –صلى الله عليه وسلم -: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وكان الحديث يشير إلى الديمومة الزمنية للوحي التي تستقطب الأتباع وهي التي تميز القرآن الكريم عن سائر معجزات الأنبياء، وكذلك عن معجزاته –صلى الله عليه وسلم – الكثيرة الأخرى، إذ إن تلك المعجزات ثابتة بالمشاهدة لمن شهد وقوع الحدث في عصر النبوة وبالسماع فقط لمن سواهم، فطريق معرفتنا لشق الصدر لسيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وشق القمر له هو الخبر الوارد في الكتاب أو السنة فهي معجزات انقضت مشاهدتها بلحظة وقوعها، قال البوصيري: (فشق من صدره وشق له البدر ومن شرط كل شرط جزء). أما القرآن الكريم فإنه يحمل شهادة الله – جل وعلى – التي لا تغيب، وبيانه الذي لا يستعجم لكل الأقوام، فهو بلاغ للناس (هذا بلاغ للناس) أي كل الناس في كل زمان يبلغ إليه هذا الكتاب (وأوحي إلى هذا القرءان لأنذركم به ومن بلغ) فكان القرآن رسالة وشهيداً، مقدمة ونتيجة، ودعوى وبرهاناً تكفل البارئ بحفظه برهاناً على صدقه، فالدلائل والعلامات والآيات والمعجزات ألفاظ متقاربة توصف بها الخصائص المميزة لشجرة النبوة التي لا تشبهها شجرات البشرية. لقد شبه الناظرون وهم يشاهدون تلك الدوحة الناضرة السامقة الأثيثة الفروع، الجنية الثمار، الدانية القطوف، فطفقوا يصفون سناها وسناءها ونورها ونورها كل على قدر علمه وجده وحظه رأى من جوانب هذه الشجرة؛ فآمن بعضهم بمجرد مشهد شخص صاحب النبوة فكفاه المظهر عن المخبر، ففي حديث عبد الله بن سلام: (لما رأيت وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – قلت: ما هذا بوجه كذاب، فأسلمت) وفي حديث الربيع بنت معوذ-رضي الله عنهما: (إذا رأيته قلت الشمس طالعة) ومنهم من جاوز المنظر إلى التأمل كحديث سلمان -رضي الله عنه - وبعضهم طالب صاحب النبوة –عليه الصلاة والسلام- بالمعجزات المادية كطلب قريش بانشقاق القمر فانشق نصفين ظهر بينهما جبل حراء كما ورد في الصحيح، ومنهم من طالب بإحياء حيوان ميت ليشهد له كصاحب سليم في حديث صاحب الضب فأحياه الله على يديه فشهد شهادة الحق. ومن هذا القبيل شهادة الأشجار والأحجار وحنين الجذع بمحضر الملأ من الصحابة، وتكثير القليل من الطعام والماء كما ورد في أحاديث بلغت حد التواتر، ومنهم من رأى المعجزة في الإخبار عن الغيوب في زمانه وبعده، وهي أنباء تترى لا تبليها الأيام ولا يكذبها الزمان ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. ومن أهل الكتاب من آمن بسبب البشارات السابقة في الرسالات القديمة إذ لم يخل كتاب من وصفه بالإشارة أو بصريح حتى إن كتب الهندوس والبوذيين تنص على اسمه الكريم. ومنهم من رأى المعجزة فيما أخبر عنه من تزكية النفوس التي يصل إليها المرء بالذوق عندما يستجيب لله والرسول – صلى الله عليه وسلم – ومن هؤلاء أبو حامد الغزالي بعد أن تحدث عن معرفة النبي – صلى الله عليه وسلم -. بالمشاهدة والتواتر والتسامع، قائلاً: (فإنك إذا عرفت الطلب والفقه يمكنك أن تعرف الفقهاء والأطباء بمشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم .. ) فكذلك إذا فهمت معنى النبوة فأكثرت النظر في القرآن والأخبار يحصل لك العلم الضروري بكونه – صلى الله عليه وسلم – على أعلى درجات النبوة، وأعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات وتأثيرها في تصفية القلوب وكيف صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير