تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فكلي واشربي وقَرِّي عيْنا، فإمّا تَرَيِنَّ من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا" (مريم26).

وكما هو واضح في هذه الآية فإن مريم عليها السلام تستطيع رؤية "البشر"، وهو ما يعني أنهم الذين كانوا يعيشون في تلك الفترة التاريخية. ثم إنه لما لم يكن لكلمة "البشر" مفرد من لفظها فقد استعمل القرآن الكريم وصفا من المادة اللغوية التي جاء منها لفظ "الإنسان" وهو "إنسي". وما دام أن كلمة "إنسي" استخدمت وصفا لـ"البشر" فإن هذا يدل دلالة أكيدة على أن "البشر" مرادف لـ"الإنسان"، وأن فرضية المؤلف التي تقوم على التمييز بينهما في الدلالة لا تصح.

ويدعي د. عبد الصبور شاهين أن الإنسان " تطور" عن البشر. أقول: يا دكتور, إن لفظ "الإنسان" ورد في حديث القرآن عن قصة الخلق مسبوقا وملحوقا بالكلمات نفسها التي وردت مع اللفظ "بشر". وذلك في مثل قوله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون" (الحجر26) , "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون" (الحجر28).

**النقطة الثانية: تفسيره لكلمة "سلالة" في قوله تعالى "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" [المؤمنون12]. ويعني هذا أنه يفسر كلمة "سلالة" هنا لتدل على أن المعنى في هذه الآية أن الإنسان جاء من سلسلة آباء خلقوا من طين، " وكأن الآية تدفع عن العقل احتمال إدماج العمليتين [خلق البشر وخلق الإنسان] في عملية واحدة، فالإنسان خلق من (سلالة) نسلت من (طين)، أي: إنه لم يخلق مباشرة من الطين، فأما ابن الطين مباشرة فهو (أول البشر)، وكان ذلك منذ ملايين السنين" (ص90 من كتابه) ويقول: " فخلق الإنسان (بدأ من طين)، أي: في شكل مشروع بشري، ثم استخرج الله منه نسلا (من سلالة من ماء مهين)، ثم كانت التسوية ونفخ الروح، فكان (الإنسان) هو الثمرة في نهاية المطاف عبر تلكم الأطوار التاريخية السحيقة العتيقة" (ص91 منه).

الرد:

أولا: تفسيره لكلمة "سلالة" يعتمد على تمييزه بين "البشر" و"الإنسان". وما دام أنه اتضح أن تمييزه بين الكلمتين باطل, فإن الدلالة التي يراها لكلمة "سلالة" باطلة.

ثانيا: السلالة في اللغة (انظر المعجم الوسيط, ومعجم ألفاظ القران) هي:

أ- ما استُل من الشيء وانتُزع. ويشهد لهذا قوله تعالى " ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ".

ب- خلاصة الشيء, كخلاصة الغذاء مثلا. ويشهد لهذا الآية السابقة أيضا.

وبهذا يتضح معنى الآية لكل ذي لب منصف باحث عن الحق والحقيقة .. , وهو: " ولقد خلقنا الإنسان من خلاصة من الطين". ومن كابر وعاند وقال بقول الدكتور, فيلزمه أن يقول بهذا في الآية سابقة الذكر, وهذا قول لا يقول به مجنون, وما لزم منه باطل فهو باطل .. فتأمل منصفا ولا تشطط.

**النقطة الثالثة: دلالة حروف العطف: يقول في تفسير قوله تعالى "ولقد خلقناكم ثم صورناكم" (الأعراف11): "وهما مرحلتان في عمر البشرية، لعلهما استغرقتا بضعة ملايين من السنين. . . ومع ملاحظة استعمال الأداة (ثم) التي تفيد التراخي بين الأمرين" (ص86 من كتابه). ويقول عند الكلام على قوله تعالى: "وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه", يقول: "والأداة (ثم) للترتيب مع التراخي، وكأن استعمالها في هذا السياق ترجمة لمفهوم الزمان المتطاول الذي عبر عنه الظرف (إذا)، في مقابل استخدام الفاء أو الواو في ربط أجزاء أخرى من الآيات، تعبيرا عن التعقيب أو مطلق الجمع". (ص105ـ106 من كتابه).

الرد:

أولا: كلامه يعتمد على تفريقه بين لفظي البشر والإنسان, وفد أبطلنا ذلك من قبل والحمد لله. فما بني على باطل فهو باطل, وهذا يكفي في رد كلامه من أساسه.

ثانيا: إننا حين نتأمل الحالات التي يرد فيها حرف العطف "ثم" في القرآن الكريم نجد أنه ورد في التعبير عن الفترات القصيرة نحو مدة الحمل, مثل " ثم " في قوله تعالى ?وَاللهُ خَلَقَكُم مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً? (فاطر: 11). ومثل "الفاء" في قوله تعالى: "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركَّبك" (الانفطار 6ـ8). وغير ذلك الكثير والكثير من الآيات, ولا داعي لاستقصائها لكل من تأمل وأنصف.

أما بالنسبة لقوله تعالى "خلقناكم ثم صورناكم" .. فخلقناكم معناها: أوجدناكم وأبدعناكم من لا شيء, وعلى غير مثال سابق. وصورناكم معناها: جعلنا لكم صورا مجسمة. (انظر معجم ألفاظ القران). والفعل (جعل) في اللغة من (أفعال التحويل) كما هو معلوم عند المبتدئين, وهذا ينطبق على ما نحن فيه تمام الانطباق .. فإن الإنسان في أول أمره خلق من تراب, ثم عجن بالماء فصار طينا, ثم مكث حتى صار حمأ مسنونا, ثم يبس هذا الحمأ المتغير الرائحة حتى صار صلصالا (أي: يظهر صوتا إذا نقر عليه) .. , فأصبح الإنسان جسدا وصورة مجسمة. فـ "خلقناكم ثم صورناكم" ورد في التعبير عن المراحل والفترات القصيرة التي مر بها خلق الإنسان من التراب إلى الصلصال ونفخ الروح. والمقصود بالآية آدم عليه السلام, ويؤكد ذلك سياقها " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا .. خلقتني من نار وخلقته من طين". ولاثبات أن المقصود بخلقته من طين هو آدم .. انظر كلامي في فصل (الحجج الدامغة من القران).

انتهى المراد, والحمد لله أولا واخرا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير