تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و"مع أن كل حيوان أو طير أو حَشَر [انظر هذه الصيغة لجمع "حشَرة" التي يقصد منها أن تتوافق مع "بَشَر"، ليؤكد إطلاق الكلمة الأخيرة على الأطوار الأولى للإنسان]ـ إلى آخر سلسلة الكائنات ـ هو من طين، فإن البشر أبرز هذه المخلوقات، وآكدها وجودا، فلذلك أطلق عليه في القرآن (البشر)، أي: الظاهر على كل الكائنات الطينية، يسخرها لخدمته، ويستمد منها قُوْتَه وقُوَّته ويصارع وجودها تأمينا لوجوده" (ص65).

والملحوظة الأولى على تعريف "البشر" هنا أن هذا التعريف المعجمي ربما يكون سببه ورود هذه الكلمة في قصة يوسف في قوله تعالى: "وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم"، في وصف بروز يوسف عليه السلام للنسوة واندهاشهن بجماله الفائق. وهذا لا يلزم منه أن يكون المعنى الأصلي لهذه الكلمة هو المعنى الذي رواه ابن فارس. وهو ما يعني أن هذا التعريف المعجمي للكلمة ليس صحيحا.

ويعتمد المؤلف في تمييزه بين "البشر" والإنسان" على ورود هاتين الكلمتين في القرآن الكريم في بعض الآيات، حيث لا تدل كلمة "البشر" فيها، كما يرى، على "الإنسان" وإنما تدل على الطور الأقدم له.

فهو يقول تحت عنوان "ملاحظات على العلاقة بين البشر والإنسان" (ص97):

"حقيقة لا ريب لدينا فيها؛ هي أن بين (البشر والإنسان) عموما وخصوصا مطلقا، فـ (البشر) لفظ عام في كل مخلوق ظهر على سطح الأرض، يسير على قدمين، منتصب القامة، و (الإنسان) لفظ خاص بكل من كان من البشر مكلفا بمعرفة الله وعبادته، فكل إنسان بشر، وليس كل بشر إنسانا. والمقصود هو طبعا المعنى الأول الذي استُعملت فيه الكلمة (بشر) في آيات القرآن، وهو الظاهر أو المتحرك مع حسن وجمال". و:"لقد كان (البشر) خلال الأحقاب والعهود المتطاولة مجرد مخلوقات متحركة، حيوانية السلوك، ولكنها تزداد في كل مرحلة تعديلا في سلوكها، ونضجا في خبرتها، وتلونا في طرائق التفاهم اللغوي فيما بينها". (ص101)

وحين يستعرض الآيات التي ورد فيها لفظ "بشر" يجد أن هذا اللفظ استخدم في أربعة معان، هي (ص70):

1ـ البشر: هو الظاهر على كل الكائنات (وهو المعنى الأصلي)

2ـ المخلوق بإطلاق (وهو المعنى الأعم)

3ـ المخلوق غير المتميز (وصف سلبي)

4ـ المخلوق المتميز (وصف إيجابي)

أما "الإنسان" فطور أحدث لـ"لبشر"، جاء نتيجة للتطورات التي حدثت للبشر بمرور الأحقاب حتى وصل إلى طور صار فيه مؤهلا ليكون خليفة الله في الأرض. ويبين ذلك في قوله (ص98): "أما (الإنسان) فلا يطلق بمفهوم القرآن إلا على ذلك المخلوق المكلف بالتوحيد والعبادة لا غير، وهو الذي يبدأ بوجود آدم عليه السلام، وآدم ـ على هذا ـ هو (أبو الإنسان)، وليس (أبو البشر)، ولا علاقة بين آدم والبشر الذين بادوا قبله، تمهيدا لظهور ذلك النسل الآدمي الجديد. اللهم إلا تلك العلاقة العامة أو التذكارية، باعتباره من نسلهم".

"فإذا شرع [القرآن] في بيان حقيقة الخلق منذ البداية؛ ذكر أن هذه البداية كانت في صورة (بشر) هكذا مُنَكَّرا، باعتباره النموذج الذي أجريت عليه عمليات التسوية، والتصوير، والنفخ من روح الله (والتزود بالملكات العليا التي كان بها البشر إنسانا ـ وهي: العقل، واللغة، والدين) ". و"لأمر ما وجدنا القرآن لا يخاطب البشر، بل يخاطب الإنسان، والتكليف الديني منوط بصفة (الإنسانية)، لا بصفة (البشرية)، فلم يعد للبشر وجود منذ ظهر آدم عليه السلام. . . " (ص88). ثم يصف "البشر" بأنهم "جماعات الهمج البشرية" (ص99).

لكن هذا "التأثيل" لكلمة "بشر" ليس مسَلَّما؛ فهناك عدد من المشكلات التي تعترض سبيله، وتمنع الأخذ به، بالإضافة إلى عدم صحة التعريف المعجمي للكلمة، كما رأينا. ثم كيف يستقيم أن يكون معنى "بشر" (الظهور مع حسن وجمال)، مع وصفه لهؤلاء البشر بأنهم "همج"، ومع أن بقايا الأطوار القديمة التي وجدها الباحثون لهؤلاء "البشر"، وهي التي لا يعترض المؤلف على أنها تمثل "البشر"، لا تتناسب في حسنها وجمالها مع حسن الإنسان المعاصر وجماله؟

يضاف إلى ذلك أن المعاني الأربعة، التي يرى أن لفظ "بشر" استخدم لها في القرآن الكريم، ليست صحيحة كما سيتبين بعد قليل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير