تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولم يبين المؤلف كيف أن الأسطورة الإسرائيلية، كما يصفها، لا يمكن أن تكون تفسيرا لخلق الإنسان، وإنما اكتفى بوصفها بالخرافة وأنها تتصادم مع المعرفة العلمية الحديثة. وكان المنتظر منه أن يتوجه، في بداية الكتاب، إلى تفنيد هذه الأسطورة تفنيدا تاريخيا يتمثل في تتبع مصادرها الإسرائيلية، وطرق دخولها إلى المصادر الإسلامية، ونقد سندها، إلى غير ذلك. لكنه وجه جهده، بدلا من ذلك، وجهة أخرى تتمثل في محاولة الاستفادة، كما يقول، من العلوم الحديثة في تفسير الإشارات التي وردت في القرآن الكريم عن هذه القصة.

وسبب محاولته الاستفادة من العلوم الحديثة في هذا الغرض أن كثيرا من المفاهيم تغيرت في العصر الحديث، كما يقول، وأنه ". . . صار لزاما على من يتصدى لكتابة شيء عن هذه القصة أن يأخذ في اعتباره ما كشف عنه العلم الحديث من حقائق، وما قال به من نظريات، حتى لا يبدو متخلفا عن ركب المعرفة المعاصرة" (ص21).

ومن المعروف أن البديل "العلمي" الذي يُقترح في هذا العصر لتفسير نشأة الإنسان، بل نشأة الأحياء كلها، هو النظرية التي تسمى بـ"نظرية التطور". غير أن الدكتور شاهين لم ير هذه النظرية بديلا صالحا لما أسماه بالخرافة الإسرائيلية. وإنما بدأ كتابه بهجوم عنيف على هذه النظرية معتمدا على كثير من المعلومات غير الصحيحة عنها. وبدلا من أن يفي بما وعد به من الاستفادة من المنجزات العلمية في هذا العصر، في تفسير نشأة الإنسان، قصد إلى "استنطاق" آيات القرآن الكريم وإعطاء تفسيرات جديدة لبعض الألفاظ الرئيسة التي وردت في الآيات القرآنية الكريمة في سياق هذه القصة.

والتفسير اللغوي الذي بنى عليه فرضيته البديلة للخرافة الإسرائيلية، كما يسميها، جديد، على حد علمي؛ لكنه تفسير قد لا يتفق معه أحد فيه.

وسوف أعرض فيما يلي الفرضية التي أقام المؤلف كتابه عليها ثم أعرض التفسير اللغوي الذي أتى به للبرهنة على هذه الفرضية. كما سأتناول بعض النقاط الأخرى التي يتبين منها أنه لم يتوفر للدكتور شاهين في هذا البحث ما يكفي من الأدوات الضرورية اللازمة لتناول هذه القضية تناولا علميا دقيقا.

فعلى الرغم من أن عنوان الكتاب ينص على أن ما سيعرضه المؤلف يمثل "الحقيقة" إلا أنه يعترف بأن: "هذه القصة كما وردت في القرآن الكريم تحتمل الكثير من التأويلات، وهي حافلة بالإيماءات والإشارات ذات الدلالة التاريخية والزمنية. .. "، وأن ". . . جُلَّ اهتمامنا في عرض قصة الخليقة على استنطاق آيات القرآن باعتبارها المصدر الأول والأوثق الذي ينبغي اعتماده في هذا المجال. . . " (ص12).

ويدل قوله هذا على أن ما أتى به من تفسيرات وبراهين ليست إلا فرضيات بشرية يمكن أن يختلف القارئ معه فيها. فهي ليست "حقائق" مستقلة عن التفسير الذي أتى به. وتعتمد صلاحية هذه التفسيرات ومعقوليتها اعتمادا كليا على ما سيقدمه المؤلف للقارئ من الأدلة المقنعة عليها. ولهذا فإن المؤمن ربما يختلف مع المؤلف في هذه التفسيرات، لكن اختلافه معه فيها لا يمس "حقيقة" الآيات الكريمة.

التفسير اللغوي:

يتمثل تفسيره اللغوي في ثلاثة أشياء هي:

1ـ تمييزه بين كلمتي "البشر" و"الإنسان".

2ـ تفسيره لكلمة "سلالة".

3ـ دلالة حروف العطف.

وفيما يلي عرض لهذه التفسيرات الثلاثة:

تمييزه بين "البشر" و"الإنسان":

يعتمد تفسيره لنشأة الإنسان على التمييز الذي أقامه بين معنى كلمة "بَشَر" وكلمة "إنسان". فقد افترض أن كلمة "بشر" تطلق على الأطوار القديمة التي كان عليها الإنسان قبل استصفاء الله لآدم من بين بقية المخلوقات التي يطلق عليها "بشر". فالبشر: "تسمية لذلك المخلوق الذي أبدعه الله من الطين، وأصله في اللغة من (ب ش ر)، وهو يفيد (الظهور مع حسن وجمال)، قال ابن فارس: (وهو أصل واحد: ظهور الشيء مع حسن وجمال، وسمي البشر بشرا لظهورهم") (ص64).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير