تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وربما بدا للقارئ غير المتمعن أن معنى هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى ينفي أن يكون "البشر" أهلا لتلقي "الكتاب والحكم والنبوة"، أي "التكليف"، بمصطلح الدكتور شاهين. وهو ما يتماشى مع فرضية الدكتور شاهين التي تقضي بأن "البشر" نوع بدائي قديم لم يؤهله الله لتلقي الكتاب ولم يؤته الحكم ولا النبوة التي اختص بها الإنسان الذي يمثل نوعا متطورا جاء بعد "البشر" بآجال طويلة، وصار "مكلفا بالتوحيد والعبودية".

أما هذه الآية بتمامها فهي:

"ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلِّمون الكتابَ وبما كنتم تدرسون".

والواضح أن معنى هذه الآية ينصرف إلى الأنبياء على وجه الخصوص، وهو ما يعني أنها موجهة لمن يدخل في جنس "الإنسان"، بتعريف الدكتور شاهين. بل ربما كان المقصود فيها عيسى بن مريم عليه السلام تحديدا، وبخاصة إذا نظرنا إلى الآيات التي سبقت هذه الآية والآيات التي جاءت بعدها.

وخلاصة القول أن فرضية الدكتور شاهين تسقط اعتمادا على المعنى الذي تؤديه هاتان الآيتان وحدهما. ذلك أن كلمة "بشر" فيهما مرادف لكلمة "إنسان" بشكل لا لبس فيه.

ومع هذا فإننا سوف نستمر في عرض فرضيته بالنظر في المعاني التي يرى أن كلمة "الإنسان" تدل عليها.

فهو يقرر في (ص16) أن:"المشروع الخلقي [للإنسان] كان واحدا. . . [منذ البداية] إلى يوم الناس هذا، وأن البشر قد مر في مراحل من (التسوية، ونفخ الروح الإلهي) في مراحل متدرجة من حيث النضج، وهو ما اختلفت به هويات الأجيال، وكل ذلك في إطار المرحلة البشرية إلى أن كان (آدم) أول الإنسان الأول [هكذا]، الذي اصطفاه الله نبيا، فكان أبا الإنسان. . .".

ويقول في (ص99):"وليس يبعد أن نفترض أن الخالق سبحانه ـ وقد مضت مشيئته بتفرد آدم وذريته بالسيادة على الأرض، والنهوض بأمر الدين، وإقامة التكاليف، وفي مقدمتها التوحيد ـ قدر سبحانه فناء كل البشر، من غير ولد آدم، وذلك بعد عزل السلالة الجديدة المنتقاة في الجنة، حتى تتم إبادة جماعات الهمج البشرية، لتبدأ بعد ذلك الملحمة الإنسانية، بطليعتها المصطفاة: آدم وحواء، وبدأ التكليف داخل الجنة، وبدأ الصراع بعد أن أخليت ساحته من العناصر الطفيلية التي لم يعد لها دور، بل التي انتهى دورها، ليبدأ على الأرض دور جديد. . ."

فالإنسان، إذن، "تطور" عن البشر.

غير أن لفظ "الإنسان" ورد في حديث القرآن عن قصة الخلق مسبوقا وملحوقا بالكلمات نفسها التي وردت مع اللفظ "بشر". وذلك في مثل قوله تعالى:

"ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون" (الحجر26)

"وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون" (الحجر28)

لكن الدكتور شاهين، أمام مثل هذه الآيات التي ورد فيها لفظ "إنسان" ولفظ "بشر" في سياق متماثل، يقول: "إن استعمال لفظ "الإنسان" في الآية الأولى [هنا] إنما كان لأجل المقابلة بينه وبين "الجان"، أما". . . الحديث عن الأصل الترابي [فـ] يرتبط غالبا (بالبشر). وهو ما تبينه الآية الثانية".

لكن هذا التحليل ليس مقبولا لأن السياق اللغوي واحد، فضلا عن أنه يقول في موضع آخر: "وربما كان إطلاق كلمة (بشر) أيضا بهذا المعنى، وهو (الظهور) ـ مقابلا لما يتصف به عالم الملائكة، وعالم الجن، من عدم الظهور، فهم خلق لا يُرى، وقد قرر القرآن ذلك بشأن (الجن)، إذ هي كلمة مشتقة من معنى: (الاجتنان) وهو الاستتار. . ." (ص65).

وهو ما يعني أن المقابلة تكون بين "البشر" والجن والملائكة أيضا.

كما يعتمد في تمييزه بين كلمتي "البشر" والإنسان" على أن لفظ "الإنسان" هو الذي يرد في القرآن في مجال التكليف.

غير أن هذا القول غير دقيق؛ إذ إن لفظ "البشر" يرد في مجال التكليف أيضا. وذلك في مثل قوله تعالى:

"وما هي إلا ذكرى للبشر" (المدثر31)

"نذيرا للبشر" (المدثر36)

فتدل هاتان الآيتان على أن البشر "يُنذَرون" و"يُذكَّرون". وهو مما يدل على اكتمال مؤهلاتهم العقلية واللغوية أيضا، وأنهم وصولوا إلى مرحلة التكليف التي تدل على مستوى "الإنسان". لذلك فإن تمييزه بين الكلمتين لا معنى له.

2ـ تفسيره لكلمة "سلالة":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير