تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول عند كلامه على قول الله تعالى:"ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين"، إن هذه الآية لا تدل على الخلق الأول، أي "البشر"، وإنما هي تذكير للإنسان بأصله.

ويعني هذا أنه يفسر كلمة "سلالة" هنا لتدل على أن المعنى في هذه الآية أن الإنسان جاء من سلسلة آباء خلقوا من طين، ". . . وكأن الآية تدفع عن العقل احتمال إدماج العمليتين [خلق البشر وخلق الإنسان] في عملية واحدة، فالإنسان خلق من (سلالة) نسلت من (طين)، أي: إنه لم يخلق مباشرة من الطين، فأما ابن الطين مباشرة فهو (أول البشر)، وكان ذلك منذ ملايين السنين" (90)

ويقول: "فخلق الإنسان (بدأ من طين)، أي: في شكل مشروع بشري، ثم استخرج الله منه نسلا (من سلالة من ماء مهين)، ثم كانت التسوية ونفخ الروح، فكان (الإنسان) هو الثمرة في نهاية المطاف عبر تلكم الأطوار التاريخية السحيقة العتيقة" (ص91).

لكن هذا التفسير لكلمة "سلالة" يعتمد على مدى ما يورده المؤلفُ من الأدلة على لزومه. وهو لم يورد أي دليل على أن هذه الكلمة لا تدل إلا على هذا المعنى في هذا السياق. أما هذه الكلمة فيمكن أن تفهم بمعان أخر، كأن يكون معناها "جزءا من الطين"، و"جزءا من الماء المهين".

وباختصار فإن تفسيره لكلمة "سلالة"، ولزوم الدلالة التي يراها يتوقفان على قبول تمييزه بين "البشر" و"الإنسان". وما دام أنه اتضح أن تمييزه بين الكلمتين ليس لازما، بل متمحَّلا، ومغلوطا بسبب عدم إيراده الآية التي في سورة آل عمران كاملة، وبسبب عدم إيراده الآية التي في سورة مريم، وهي أكثر الآيات وضوحا في رد هذا التمييز، فإن الدلالة التي يراها لكلمة "سلالة" غير لازمة.

2ـ تفسيره لبعض حروف العطف:

يُستعمل حرفا العطف "الفاء" و "ثم" في سياق قصة الخلق في القرآن الكريم. ويحاول الدكتور شاهين أن يفسر ورود أحد الحرفين في سياق معين في مقابل عدم ورود حرف العطف الآخر وسيلة لتعضيد تمييزه بين "البشر" والإنسان".

فهو يقول في تفسير قوله تعالى، "ولقد خلقناكم ثم صورناكم": "وهما مرحلتان في عمر البشرية، لعلهما استغرقتا بضعة ملايين من السنين. . . ومع ملاحظة استعمال الأداة (ثم) التي تفيد التراخي بين الأمرين" (ص86).

ويقول، عند الكلام على قوله تعالى:"وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه" (ص ص 105ـ106): "والأداة (ثم) للترتيب مع التراخي، وكأن استعمالها في هذا السياق ترجمة لمفهوم الزمان المتطاول الذي عبر عنه الظرف (إذا)، في مقابل استخدام الفاء أو الواو في ربط أجزاء أخرى من الآيات، تعبيرا عن التعقيب أو مطلق الجمع".

لكننا حين نتأمل الحالات التي يرد فيها حرف العطف "ثم" في القرآن الكريم نجد أنه ورد في التعبير عن الفترات القصيرة نحو مدة الحمل (ص92، ص106).

كما يرد حرف العطف "الفاء" في قوله تعالى:"يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركَّبك" (الانفطار 6ـ8). وواضح أن هذا الترتيب بين الأحداث في هذه الآية يدخل فيما يرى المؤلف أنه آجال طويلة. وأمام هذا الدليل على عدم التمييز بين حرفي العطف نراه يجنح إلى تفسير استعمال "الفاء" هنا بأنها "ضُمِّنت معنى (ثم) " (ص107).

وبهذا فإن حرفي العطف لا يعود لهما المعاني التي يرى أنها تميز بين الفترات القصيرة والطويلة، وهو ما يلزم من تطاول الأحقاب في مسألة الخلق الأول وقصرها في مسألة الحمل والفترات القصيرة الأخرى، كما يرى.

وهذا دليل آخر، يضاف إلى الأدلة السابقة، على عدم إمكان التمييز بين "البشر" و"الإنسان.

وخلاصة القول أن تمييز الدكتور عبد الصبور شاهين بين "البشر" و"الإنسان" غير مقنع، ولم يتبين من خلال معالجته أنه تمييز ممكن. فقد كانت الأدلة كلها مما يمكن الاختلاف فيه.

موقفه من نظرية التطور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير