تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفوق هذا .. فقد كُتب معظم التوراة، واليهود في السَّبي، في العراق، مما جعل كثيراً من الأقوال والخرافات الآشورية، والبابلية والسُّومرية .. تتسرّب إليها!.

أبعد هذا .. يصحّ أن تُتّخذ أخبار التوراة مصدراً "موثوقاً" إذا لم تدعمْها مصادر أخرى؟ طبعاً .. "لا يصح" إلا إذا دعمتها مصادر أخرى، والمصادر الأخرى .. لا تدعمها.

والمصادر الأخرى التي نبحث فيها، إذ قد نجد فيها شيئاً يدعم هذا الخبر بالذات، (وهو أن أبناء نوح، عليه السلام، هم: سام وحام ويافث) - هي أربعة:

1. القرآن الكريم.

2. الحديث النبوي الشريف.

3. التاريخ القديم.

4. النقوش التي استخرجتها الحفريات.

* القرآن الكريم:

ما ورد في القرآن الكريم .. يشير إلى أن ذرية نوح -عليه السلام- هم الباقون: "وجعلنا ذريته هم الباقين" (الصافات: 77) دون أن يذكر القرآن أسماء ذريته أو أسماء بعضهم، ثم .. هم الباقون من "قومه" لا من جميع الأقوام، بدلالة أن الله تعالى قال: "وأُوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من - قومك- إلا من قد آمن، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلْك بأعيننا ووحينا، ولا تخاطبني في الذين ظلموا، إنهم مغرقون" (هود: 36/ 37)، والمغرقون هم الذين لم يؤمنوا من –قومه- بدلالة قوله تعالى: "لن يؤمن من قومك". وبدلالة أن الصينيين والفرس لم يسمعوا بهذا الطوفان (انظر: سعد زغلول- تاريخ العرب قبل الإسلام- 83).

* الحديث الشريف:

استدعيْت بواسطة الحاسوب مادة (سام، حام، يافت) فلم أجدْ إلا حديثاً واحداً "موضوعاً" ([5]) ضعّف أحد رجاله يحيى ابن معين والبخاري –رحمهما الله- والراوي المضعّف هو: محمد ابن يزيد ابن سنان. ثم راوٍ آخر هو: يزيد ابن سنان. قال البخاري: مقارب الحديث ([6]) ولكنْ ضعّفه يحيى ابن معين وجماعة ([7]).

والراوي المضعَّف لا يؤخذ بالحديث الذي يكون واحداً من سلسلة رواته، إلا إذا رُويَ الحديث من طريقة أو طرق أخرى.

والحديث هذا الموضوع هو: "وَلَدُ نوح" سام وحام ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، والخير فيهم، وولد يافث، يأجوج ومأجوج، والترك والصقالبة، ولا خير فيهم، وولد حام .. القبط والبربر والسودان" ([8]).

وهذا الحديث مردود "متناً" أيضاً، فلماذا العرب والفرس والروم .. الخير فيهم؟ ولماذا الترك والصقالبة .. لا خير فيهم؟ إن الواقع "يكذّب" هذا. فليس العرب والفرس والروم خيراً من الترك والصقالبة. والرسول –الصادق الأمين العادل- لا يقول مثل هذا أبداً، ثم .. إن الفرس والروم .. جنسان مختلفان، الفرس شرقيون والروم غربيون، فليسوا من أصل واحد.

حاصل هذا .. أن الرسول الأعظم لم يقل: أولاد نوح هم: سامٌ وحامٌ، ويافثُ، والمؤكد أن الذي صنع هذا القول: وسمّاه حديثاً قد اعتمد على ما في التوراة هذه التي لا ثقة بأخبارها، فهو إمّا يهودي أسلم، أو مسلم اطلع على التوراة، أو سمع من يهودي.

وما أكثر الدوافع لوضع الأحاديث! ولكنّ هذا .. خارجٌ عن إطار بحثنا.

التوجه نحو المصدرين الباقييْن:

إذن ... ما العمل؟

العمل هو التوجه نحو المصدرين الباقيين - التاريخ والنقوش، فقد نجد فيهما أو في أحدهما ما يدعم فرضية العلماء الغربيين المختصين بهذا الشأن –سواءٌ أكانوا مستشرقين أو غير مستشرقين-.

* التاريخ:

بدأت بالمؤرخين الإسلاميين، وفي مقدمتهم شيخ المفسرين والمؤرخين –الإمام محمد ابن ([9]) جرير الطبري، في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) فلم نجد فيه شيئاً موثقاً، بل اعتمد على الحديث الشريف المصنوع، فقال: (وقد ذكرنا قبلُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله عزّ وجل: "وجعلنا ذريّته هم الباقين" أنهم سام وحام ويافث) ([10]).

أقول: وجعلنا ذريته هم الباقين"، أي: هم الباقين من قومه، لا من الخلق أجمعين، لأن الصينيين والفرس -مثلاً- لم يسمعوا بهذا الطوفان! ([11]) كما أسلفنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير