ومن البديهي أن المؤرخين الآخرين كالمسعودي، والبلاذري، بل وحتى ابن خلدون –لم يقولوا شيئاً يضاف إلى ما قاله الطبري –لأن الطبري هو أسبقهم فقد توفي سنة 310هـ، وفعلاً .. لم أجدْ عندهم شيئاً يضاف إلى ما قاله الطبري، ثم .. انتقلنا إلى التاريخ القديم –التاريخ اليوناني والتاريخ الروماني- من خلال كتاب (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للدكتور جواد علي، فلم نجد فيما ورد فيه –منهما (وما ورد فيه كثير) - شيئاً يشير إلى أن لنوح ثلاثة أبناء هم: سامٌ وحامٌ ويافثُ، بل لم ترِدْ لفظة "سام" إطلاقاً، لا ابناً لنوح، ولا غيره من خلق الله.
ليس العرب من أصل غير عربي:
ولقد أورد (جواد علي) نصوصاً كثيرة مما كتبه المؤرخون اليونان والرومان، عن العرب، فلم نجد ولا نصّاً واحداً يقول مثلاً عن أحد ملوك اليمن، أوملوك الآشوريين والبابليين والسومريين –وهم قُطّان العراق، أو ملوك الكنعانيين والفينيقيين- وهم قُطّان سوريّة الكبرى، أو غيرهم من ملوك الشعوب الذين قطنوا هذه الأماكن- يؤرخ لحادثة، مثلاً، فيقول: لقد قام –الملك حامورابي الذي ينتمي إلى السومريين –أبناء سام .. بوضع شريعة يتحاكم إليها الناس، بل على العكس من ذلك وردت عشرات النصوص في التاريخ اليوناني تذكر (العرب) و (الجزيرة العربية)، منها:
(ولما أراد الإسكندر احتلال غزة في طريقه إلى مصر .. قاومت المدينة ودافع عنها رجلٌ. سمّاه "أريان" [وهو مؤرخ يوناني]- باتس- أيْ: باطش، مستعيناً بجيوش عربية قاومت مقاومة شديدة). وكان ذلك سنة 315 قبل الميلاد ([12]).
(ونجد في كتاب (تاريخ الإسكندر)، لمؤلفه –كوينيس كورنيوس- خبراً يفيد أن جيوش الإسكندر لم تتمكن من دخول- جزيرة العرب .. ) ([13]).
(بنى الإسكندر مدينة يُظنّ أنها "المحمّرة" .. بُنيت في النهاية القصوى من الخليج العربي .. عند خط ابتداء "العربية السعيدة"، ويقع نهاية –دجلة - على يمينها) ([14]).
... ومثل النصوص اليونانية – النصوص الرومانية:
(ومن المؤرخين الرومان بيلنيوس المتوفى سنة 79 ب. م. (وقد أشار في مطلع حديثه عن الحملة إلى أن (أوليوس غالوس، كان القائد الروماني الوحيد الذي أدخل محاربي –رومة- جزيرة العرب. وقد خرّب مدناً) ([15]).
(وبعد أن كوّن "تراجان" ما يسمّى بـ"المقاطعة العربية" أو"الكورة العربية" - Provancia Arabaca- في سنة 105 أو 106م ([16]).
( .. فإن القيصر- سباتيميوس- أرسل حملة عسكرية في سنة 201م، توغلت في العربية السعيدة) ([17]).
لاحظ، أخي القارئ، أن كلّ النصوص (ومثلُها عشرات) تذكر العرب والعربية السعيدة، أي: جزيرة العرب، وليس فيها ولا نصّ واحد يذكر "ساماً" أو "الساميين".
* النقوش:
يقول الدكتور محمود فهمي حجازي في كتابه (علم اللغة العربية): كشفت الدراسات الميدانية التي قام بها عدد من الأوروبيين، في منطقة شمال الجزيرة العربية، ابتداءاً ([18]) من منتصف القرن التاسع عشر إلى اليوم عدة آلاف من النقوش ([19]).وهي ثموديّة ولحيانية وصفوية، وكُشفت نصوص أكّاديّة (بابلية وأشوريّة وسومرية) ونصوص آرامية وفينيقية.
بَيْدَ أن كل هذه النقوش تتحدث عن الأقوام التي ذُكرت آنفاً، كلُّ مجموعة تتحدث عن جماعة من هذه الجماعات، ولم يكن فيها ولا نصٌّ واحد، يذكر .. ساماً أو الساميين أو الساميّة، لا من بعيد ولا من قريب، بل إن النصوص الآشورية تشير إلى العرب الذين يعارضون سياسة آشور منذ (854) قبل الميلاد ([20]).
كاتب، يعتبر الساميّة "بدعة":
يقول رجا عبد الحميد عُرابي، في كتابه (سِفر التاريخ اليهودي): (كما نجح اليهود في ربط أصولهم بأصول شعوب المنطقة العربية عن طريق "بدعة" الساميّة، كذلك .. أرادوا ببدعة (العبرية) وتسمية أنفسهم عبرانيين – أن يربطوا تاريخهم بتاريخ شعوب المنطقة) ([21]).
لاحظْ أن الأستاذ رجا عبدالحميد قد سبقني إلى اعتبار الساميّة "بدعة" كما اعتبرتها أنا "خُرافة" لا تقوم إلا على تَخرُّصٍ، وأحاديثَ مُلفّقة.
الفرق أنه أطلقها من موقف سياسيّ، ولذلك .. فهو –غالباً- لا يقصد أنها ليس لها أصل وإنما يقصد أن دولة إسرائيل، والصهيونية العالمية ابتدعت اصطلاح: ساميّة، بل شعار الساميّة، لكي تكمِّمَ به أفواه منتقديها، ولذا .. لم يُدلّلْ على بطلان الساميّة، وأنّه لا أصل لها.
¥