تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مثلما فعل قبله بارت، لذلك عدَّه (هنري لامنس) أكثر المترجمين إنصافاً، مع أن (لامنس) هذا يقول: "إننا لا نملك ترجمة وحيدة للقرآن لا عيب فيها" (5).

في القرن الثامن عشر ظهرت ترجمات عن الأصل العربي مباشرة كتلك التي نشرها (جورج سال) بالإنكليزية سنة 1734 وعيبها الكبير أن (سال) زعم أن القرآن من صياغة محمد (، وترجم القرآن سنة 1715 (سافاري) إلى الفرنسية، نُشرت هذه الترجمة في مكة سنة 1165هـ، وقال فيها (مونتيه): إن ترجمة سافاري على الرغم من طبعها عدّة مرات طبعات أنيقة إلا أن دقتها نسبيّة".

وفي القرن التاسع عشر ظهرت ترجمة (كزيمرسكي) سنة 1840، وتُعدّ هذه الترجمة ـ إذا ما قورنت مع ترجمة سافاري ـ أكثر عراقة واستعمالاً، على الرغم من أنه تعوزها الأمانة العلمية، ودقة فهم الإعجاز والبلاغة العربية، ومع ذلك يقول عنها مونتيه: "لا يسعنا إلا الثناء على هذه الترجمة، فهي منتشرة كثيراً في الدول الناطقة بالفرنسية".

أمَّا في القرن العشرين فقد كثرت على الصائد الضِّباب، ففي سنة 1925 ظهرت ترجمة (ادوار مونتيه) التي استفادت من تدارك عيوب سابقاتها من الترجمات فامتازت بالضبط والدقة والعناية بالإخراج، وقد أحسن المترجم صنعاً إذ ألحق بها مجموعة من الفهارس المفصلة التي تخدم القارئ والمراجع.

وفي عام 1949 ظهرت ترجمة الفرنسي (بلاشير) التي رتّب فيها السور ترتيباً تاريخياً وهي ـ كما يشهد العلماء المسلمون ـ من أدق الترجمات لما يسودها من الروح العلمية والتعقيبات الموضوعية، وكثيراً ما يورد للآية الواحدة ترجمتين، يبيِّن في إحداهما، المعنى الرمزي، ويوضّح في الثانية المعنى الإيحائي (6)، وهذا ما جعلها أكثر الترجمات الفرنسية انتشاراً وطلباً. وطلعت علينا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ترجمة للفرنسي الأصل الجزائري المولد (جاك بيرك) (وهو صديق لبلاشير يشهد بترجمة بلاشير بأنها من أفضل الترجمات الفرنسية للقرآن)، وبعد ثماني سنوات من دراسة بيرك للنص القرآني، واستعانته بعشرة تفاسير قديمة وحديثة، كتفسير الطبري والزمخشري والقاسمي، جاءت متميزة، وخاصة بمقدمتها التي حلل فيها النص القرآني وأبرز ميزاته ومضامينه، والإعجاز الذي يتمتع به. وعلى الرغم ممَّا أحدثته الترجمة من ضجة كبيرة في الأوساط الفرنسية، حيث عُدَّت حَدَثاً ثقافياً بارزاً، فإن المترجم يتواضع ويرى أن عمله الترجمي لم يصل إلى مرحلة الكمال، وإنما شفيعه أنه موجّه إلى المسلمين الذين يحسنون اللغة الفرنسية ولا يتقنون اللغة العربية (7).

النمط الثالث: شاعت في أواخر القرن العشرين ترجمات مغرضة حاقدة، قام بها نفر من أعداء المسلمين، أحسوا بلهفة المسلمين الأفارقة للتعرف إلى معاني القرآن وأفكاره، فقدموا لهم نسخاً مشوهة من النص القرآني وتفاسيره. وحذفوا من المتن الآيات المتعلقة بالجهاد ومقاتلة الكفار، وعبثوا ببعض النصوص التي تتصل باليهود وموقفهم من الحنيفة، ووزعت هذه النسخ على مسلمي أفريقية، فلما تنبّه المسلمون إلى هذه المكيدة جمعوا ما أمكن جمعه منها وبدَّلوا بها نسخاً من النص العثماني الصحيح المدقق، حرصاً على سلامة النص القرآني وقدسيته.

ومن المؤسسات الحديثة التي عُنيت بترجمة القرآن الكريم (مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) فقد أخذ المجمع إيعازاً ملكياً بترجمة القرآن إلى (13) لغة حتّى الآن طُبعت منها ملايين النسخ كالإسبانية والفرنسية والتركية والفلبينية والألمانية والأندونيسية والفولانية والروسية والإنكليزية والمليبارية والتاميلية والأوردو والفارسية والهوساوية، كما توزع مصاحف جزئية إلى أكثر من أربعين لغة عالمية.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتنامي العداء للإسلام والمسلمين نشط المترجمون في ترجمة القرآن إلى لغات العالم، وزادت مبيعات نسخ القرآن، واقترحت منظمة ( Cair) ترجمة القرآن إلى الإنكليزية وتوزيعه مجاناً على من رغب من الأمريكان وغيرهم، معرفة دستور المسلمين الأول: القرآن الكريم.

والخلاصة أن القرآن الكريم تُرجم إلى أكثر من مئة لغة أوربية، تتوزع على الشكل التالي: 57 مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، و 42 مترجمة إلى الألمانية، و 33 مترجمة إلى الفرنسية، وأن الكثير من الترجمات كانت تُصدَّر بالكلام عن تاريخ القرآن، وموضوعاته، وأسباب نزول آياته. وأحياناً بالكلام عن شخصيتة الرسول (ص)، وعن الجوانب التشريعية في العبادات والمعاملات التي تضمنها القرآن الكريم.

* المعلومات مستقاة من الأنترنت.

(2) البيان والتبيين، الجاحظ، 1/ 368. تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، 1948.

(3) انظر بحثنا عن (انتشار اللغة العربية) في الصين.

(4) النساء، 3 - 4.

(5) الجمل المحصورة بين قوسَيْ اقتباس مقتبسة من الشبكة العالمية من مواقع متعدِّدة.

(6) المعنى الرمزي والمعنى الإيحائي: من مصطلحات بلاشير في ترجمة القرآن، وتختلف دلالة الرمز والإيحاء عنده عما هو متداول من دلالتيهما في المصطلح الأدبي والنقدي.

(7) للدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الأدب الفرنسي في الجامعات المصرية أحدث ترجمة للقرآن باللغة الفرنسية. ولها ملاحظات سلبية على

ترجمة جاك بيرك.

منقول من مجلة التراث العربي - العدد 98 - جمادى الأولى 1426هـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير