تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويتلاعب أبو حميد أيضا بكلمة "سُنّة" الواردة فى القرآن متصورا أنه يستطيع أن يخدع المسلمين بالقول بأن هناك تعارضا بين القرآن والسنة النبوية، مع أن الأمر أبسط من هذا تماما: فالسُّنّة فى القرآن أقرب ما تكون فى المعنى بوجه عام إلى ما نسميه الآن بـ"القوانين الكونية"، أما بالنسبة إلى الرسول فهى الطريقة التى فسَّر عليه السلام بها آيات القرآن وطبّق أحكامه ووضع المبادئ التى جاء بها موضع التنفيذ. وإذن فعندنا معنيان للسُّنّة: السُّنّة بمعنى القوانين الكونية الدائمة التى لا تحيد عنها حوادث الكون، والسُّنّة بمعنى الأسلوب الذى انتهجه النبى فى تحويل أوامر القرآن ونواهيه إلى واقعٍ مَعِيش. ولا تعارض بين المعنيين، فكل منهما يكمل الآخر، وإن سار فى مدار خاص به. وليس فى شىء من ذلك غرابة، فكثيرا ما يكون للكلمة الواحدة معان شتى، وهذا مما يعرفه كل أحد عنده أدنى إلمام بطبيعة اللغات، وهو معروف فى القرآن على نطاق واسع، ومنه على سبيل المثال كلمة "الأُمَّة"، التى تعنى فيه الجماعة والوقت والجنس من الناس والطريقة والسُّنّة والإمام ... إلخ. وهناك معاجمُ قرآنيةٌ خاصّةٌ بذلك الجانب منه اسمها "كُتُب الأشباه والنظائر"، ومن أشهر من ألفوا فيها مقاتل بن سليمان (ق 2 هـ) وابن الجوزى (ق 6 هـ) وابن الدامغانى (ق 6 هـ) وابن عبد الصمد المصرى وابن فارس وابن العماد (ق 9 هـ). أما الفَسَقَة المنافقون الذين يتلاعبون بالنصوص ويريدون أن يقسروها على النطق بما تكنّ قلوبهم العفنة الدنسة من رجس فهؤلاء لا يؤخذ عنهم علم، ولا يُسْمَع منهم قول، أو يُحْتَرَم لهم رأى!

أما الآيات القرآنية التى يستشهد بها الضالّ المارق فهى، كما سبق القول وكما نعيده الآن، قد نزلت فى حق الكافرين من أهل مكة الوثنيين، لا فى حق المسلمين، الذين لم يعبد الله ويوحّده حق العبادة والتوحيد أمة فى الأرض وعلى مدار التاريخ كله مثلهم، والذين حفظوا قرآنه وسنة نبيه التى فسر بها عليه السلام هذا القرآن وطبَّق من خلالها مبادئه واستخرج بها منه أحكام الوقائع الفردية…إلخ، بخلاف ما يريد هذا المداور أن يُوقِعه فى رُوعنا من أن هذه الآيات الطيبات الطاهرات قد نزلت لتكفير المسلمين والزراية عليهم وتوعُّدهم بنار اللظى، التى سوف تحرق جلده ولحمه يوم الدين هو وكل عاتٍ متمردٍ من أتباع الكاوبوى بمشيئته تعالى وحَوْله وطَوْله! وهذه هى الآيات التى استشهد بها كُوَيْهِننا على أن الله سبحانه وتعالى قد كفَّر أمة محمد منذ أول جيل آمن به عليه الصلاة والسلام، وهو جيل الصحابة الكرام:

" أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ: الأعراف 185"، "فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ: المرسلات 50 "، "تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ: الجاثية 6"، "اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا: النساء 87"، "وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً: النساء 12"، "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ* اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد: ٍ الزمر 17 - 23"، "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ: الزمر 36"، "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير