الاستشراق إنما استمدها من مصادر كنسية كُتبت أيام الصراع العنيف بين الشرق والغرب إبان الحروب الصليبية وحروب الدولة العثمانية في أوروبا.
الدافع الاستعماري والسياسي:
ترتبط ظاهرة الاستشراق ارتباطًا عضويًا بظاهرة الاستعمار. فلكل الدول الاستعمارية الغربية مؤسسات استشراقية. وعندما فشلت الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها الدينية والسياسية في العصور الوسطى، عاد الأوروبيون مرة أخرى إلى الشرق في ثوب الاستعمار، واتجهوا إلى دراسة كل شؤون البلاد الشرقية ليتعرفوا مواطن القوة فيها فيقضوا عليها، ومواطن الضعف فيغتنموها. وكان كثير من المستشرقين ـ وما زالوا ـ يعملون مستشارين لحكوماتهم في التخطيط لسياساتها الاستعمارية والتنصيرية في الشرق الإسلامي، وعلى سبيل المثال: كان المستشرق الهولندي سنوك هرخرونيه يعمل مستشارًا لحكومته في تخطيط سياستها ضد إندونيسيا المسلمة. وكان المستشرقان البريطانيان ماكدونالد وجِبْ يعملان مستشاريْن لحكومتهما في تخطيط سياستها ضد المسلمين في شبه القارة الهندية وغيرها، وعمل ماسينيون مستشارًا للحكومة الفرنسية في تخطيط سياستها ضد المسلمين في شمالي إفريقيا. وما زال المستشرق اليهودي برنارد لويس يعمل مستشارًا للحكومة الإسرائيلية في تخطيط سياستها ضد العرب والمسلمين. ولا تكاد تخلو سفارة من سفارات الدول الغربية لدى الدول الإسلامية من سكرتير أو ملحق ثقافي يجيد اللغة العربية يتمكن من الاتصال برجال الفكر والسياسة فيتعرف أفكارهم ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته.
الدافع التجاري:
حرص بعض الغربيين على تشجيع الاستشراق الذي يُعينهم على معرفة أحوال الشرق الاقتصادية لترويج بضائعهم وشراء موارد الشرق الطبيعية والمواد الخام ومنافسة الصناعات المحلية التي كانت لها مصانع مزدهرة في مختلف البلاد الإسلامية.
الدافع العلمي:
أقبل بعض المستشرقين على دراسة حضارات الشرق من جميع جوانبها بدافع من حب الاطلاع المعرفي، وكان هؤلاء أقل من غيرهم خطأ في فهم الإسلام وحضارته، فجاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العلمي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبة من المستشرقين، بل اهتدى بعضهم إلى الإسلام، مثل المستشرق الفرنسي رينيه الذي عاش في الجزائر فأعجب بالإسلام وأعلن إسلامه وتسمى باسم ناصر الدين رينيه وألف مع عالم جزائري كتابًا عن سيرة الرسول محمد ³، وله كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام بين فيه تحامل قومه على الإسلام ورسوله.
الدافع الأدبي/ الفني:
منذ بداية الاتصال بين الشرق والغرب، لاسيما في بداية العصور الوسطى، كانت المعلومات عن الشرق والإسلام بوجه خاص تدخل الخيال الغربي وتؤثر في تشكل تقاليد أدبية وفنية ماتزال مستمرة في العديد من الأعمال الإبداعية. في ملحمة الشاعر الإيطالي دانتي "الكوميديا الإلهية" في القرن الثالث عشر الميلادي، نجد تصويرًا لشخصيات إسلامية تعكس الكيفية التي تصورت بها أوروبا النصرانية المسلمين آنذاك. انظر: دانتي أليجيري [في الموسوعة]. ثم نجد جانبًا مغايرًا إلى حد ما في بعض أعمال الشاعر الإنجليزي تشوسر في القرن الرابع عشر الميلادي ثم شكسبير في السادس عشر وفولتير في السابع عشر وهكذا عبر العصور حتى نصل العصر الحديث لتتواصل التناولات والتصورات الاستشراقية في أعمال العديد من الكتاب الغربيين ومنهم على سبيل المثال الروائي الأمريكي جون بارث الذي اهتم بـ ألف ليلة وليلة على نحو خاص.
أما على مستوى الفنون التشكيلية فإن أشهر ما أسفرت عنه التقاليد الاستشراقية هي اللوحات التي أنتجها فنانو العصرين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا من أمثال الفرنسي دي لاكروا. انظر: التصوير التشكيلي.
أبرز وسائل المستشرقين لنشر أفكارهم:
1 - تأليف الكتب المتخصصة في موضوعات مختلفة عن الإسلام وتراثه الحضاري.
2 - إصدار المجلات الخاصة ببحوثهم عن المجتمعات الإسلامية، مثل مجلة العالم الإسلامي.
3 - إلقاء المحاضرات في الجامعات والجمعيات العلمية.
4 - الكتابة في الصحف المحلية ببلادهم والبلاد التي لهم فيها نفوذ.
5 - عقد المؤتمرات لمناقشة القضايا الإسلامية للوصول إلى آراء تحقق لهم أهدافهم.
6 - إنشاء موسوعة دائرة المعارف الإسلامية بعدة لغات.
¥