تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فوجدت ابن قتيبة رحمه الله يقول في كتابه النفيس (أدب الكاتب) وهو يتكلم عن الثقافات الأجنبية، وولع الناس بها، وأنَّ مصطلحاتها تستهوي الغِمْرَ الحَدَثَ: « ... فإذا سمع الغِمْرُ والحَدَثُ الغِرُّ قولَةَ: الكون والفساد، وسمع الكيان والأسماء المفردة، والكيفية والكمية، والزمان والدليل، والأخبار المؤلفة، راعه ما سمع، وظن أن تحت هذه الألقاب كل فائدة، وكل لطيفة، فإذا طالعها لم يحل منها بطائل، إنما هو الجوهر يقوم بنفسه، والعرض لا يقوم بنفسه ... ولو أن مؤلف حد المنطق بلغ زماننا هذا حتى يسمع دقائق الكلام في الدين والفقه لعد نفسه من البكم، أو يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأيقن أن للعرب الحكمة وفصل الخطاب». [أدب الكاتب 3 - 5]

وهذا الجاحظ يأتي على ذكر منطق أرسطو بسخرية خفية فيقول: «ألا ترى أن كتاب (المنطق) الذي وسم بهذا الاسم، لو قرأته على جميع خطباء الأمصار وبلغاء العرب لما فهموا أكثره». [الحيوان 1/ 90]

وأبو سعيد السيرافي في مناظرته الشهيرة لمتى بن يونس، في مجلس الوزير أبي الفضل بن جعفر بن الفرات سنة 326هـ يقول مخاطباً لِمَتَّى: « ... ما وجدنا لكم إلا ما استعرتم من لغة العرب كالسبب والآلة والسلب والإيجاب، والموضوع والمحمول، والكون والفساد، والمهمل والمحصور، وأمثلة لا تنفع ولا تجدي، وهي إلى العي أقرب، وفي الفهاهة أذهب. ثم أنتم هؤلاء في منطقكم على نقص ظاهر؛ لأنكم لا تفون بالكتب ولا هي مشروحة، فتدعون الشعر ولا تعرفونه، وتذكرون الخطابة وأنتم عنها في منقطع التراب ... وإنما بودكم أن تشغلوا جاهلاً، وتستذلوا عزيزاً! وغايتكم أن تهولوا بالجنس والنوع، والخاصة والفصل، والعرض والشخص، وتقولوا: الهلية، والأينية، والماهية، والكيفية، والكمية، والذاتية، والعرضية، والجوهرية، والهيولية، والصورية، والأيسية، والليسية، والنفسية؟ وهذه كلها خرافات وترهات، ومغالق وشبكات، ومن جاد عقله، وحسن تمييزه، ولطف نظره، وثقب رأيه، وأنارت نفسه، استغنى عن هذا كله بعون الله». [الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي 1/ 122].

وهذا العلامة اللغوي أحمد بن فارس الرازي (ت395هـ) يقول: «وزعم ناس يُتوَّقَّفُ عن قبولِ أخبارهم أن أن الذين يسمون الفلاسفة قد كان لهم إعراب ومؤلفات نحو.

قال أحمد بن فارس: وهذا كلام لا يعرج على مثله، وإنما تشبه القوم آنفاً بأهل الإسلام، فأخذوا من كتب علمائنا، وغيروا بعض ألفاظها، ونسبوا ذلك إلى قوم ذوي أسماء منكرة، بتراجم بشعة لا يكاد لسان ذي دين ينطق بها. وادعوا مع ذلك أن للقوم شعراً، وقد قرأناه فوجدناه قليل الماء، نزر الحلاوة، غير مستقيم الوزن. بلى، الشعر شعر العرب، وحافظ مآثرهم، ومقيد أحسابهم، ثم للعرب العروض التي هي ميزان الشعر، وبها يعرف صحيحه من سقيمه، ومن عرف دقائقه وأسراره وخفاياه، علم أنه يربي على جميع ما يبجح به هؤلاء الذين ينتحلون معرفة حقائق الأشياء، من الأعداد والخطوط، والنقط التي لا أعرف لها فائدة، غير أنها مع قلة فائدتها ترق الدين، وتنتج كل ما نعوذ بالله منه». [الصاحبي 76 - 77]

وهذه أمثلة فحسب أمكن الاهتداء إليها على عجل، ولغيرهم من العلماء والأدباء كلامٌ مشابه لهذا في ازدراء الثقافات الأجنبية في عصرهم، ولا سيما هذه العبارات الفضفاضة، التي تغر السامع، وتوهمه أن وراءها ما يستحق العناء، وهي خاوية من ذلك.

بل أذكر أن ابن نباتة في كتابه الممتع (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون) ذكر أن كتب الفلسفة التي نقلت للمأمون من جزيرة قبرص، وأمر بترجمتها، إنما أريد لها أن تفسد الثقافة العربية، وأن توقع الخلاف بين علماء الإسلام.

وأرى هؤلاء المقلدين في زماننا يكررون الاسطوانة نفسها، مع بعض التعديلات والله المستعان، فقد انبهر بهم أقوامٌ، واغتر بهم فئام من الناس، فغدوا وهم يلوكون مصطلحاتهم، وربما استمعت إلى أحدهم وهو يتكلم عن رأيه في الأدب العربي المعاصر، فلا تكاد تهتدي إلى مراده، ولا تفهم مقصده الذي يدعو إليه، لغرابة ألفاظه، ونبو السمع عنها.

ـ[مرهف]ــــــــ[26 Dec 2005, 02:40 ص]ـ

كنت أقرأ في كتاب (معجزات قلب القرآن) لمؤلفه الشيخ هشام سعيد الدفتردار اللبناني فوجدت فيه واقعة حصلت بوجوده وهو طالب وهي واقعة أدبية طريفة مضحكة و لطيفة تصلح أن تكون مثالاً للقراءة المعاصرة، يقول الشيخ في معرض كلامه عن التأويل الفاسد أنه كمثل (صاحبه) الذي جعل القطاطيب جمع القطّاب في قول الشاعر:

ولولا المزعجات من الليالي لما مس القطا طيب المنام

ولما سئل صاحبه عن (القطاب) قال هو الكثيب من الرمل، فقيل له: إن الرمل لا ينام، فقال وهو يبتسم ابتسامة ماكرة: ألا ترون أن الرمل يكون عاصفاً ثم يسكن. انتهت القصة مع بعض التصرف لأني أكتبها حفظاً، وهكذا أصحاب القراءة المعاصرة يأتون بمثل هذه الدلالات العجيبة المضحكة التي تصلح أن تلحق بكتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لابن الجوزي رحمه الله، فكم سيكون حجم كتاب ابن الجوزي لو كان حياً إلى الآن؟!!!. يرحمكم الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير