تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أخيراً يمكن أن نختم بما يلي: العلمانية في المنظور الغربي هي: التحرر من الأديان عبر" السيرورة " التاريخية، واعتبار الأديان مرحلة بدائية لأنها تشتمل على عناصر خرافية كالماورائيات والغيبيات، ولا يتم الخلاص من هذه الأعباء إلا عن طريق تحقيق النضج العقلي الذي تحققه العلمنة عبر آلياتها الثقافية والفكرية والفلسفية. وهذا ما يعبر عنه د. ج.ويل بقوله:"" الفكرة العلمانية تنطوي على مفهوم فلسفي يتعلق باستقلال العقل في قدرته ". وذلك يعني بنظر كلود جفراي "" إلغاء كل مرجع ديني". وهو نفس ما يريده جول فيري 1832 – 1893م ولكن بتعبير أكثر حدة حيث الغرض النهائي من العلمانية عنده هو:"" تنظيم المجتمع بدون الله "" [عز وجل]. إنها الدنيوية إذن.


سؤال:
من حيث تعريف العلمانية: لا علاقة لها بالدين، لكنها في الجوهر: دراسات متعمقة في الدين هل هذا ما تقصده؟

من خلال تتبعي لكتابات العلمانيين ودراستها دراسة علمية:
كان قد استقر رأيي - ردحاً من الزمن - على أن العلمانية هي: "" أنسنة الإلهي، وتأليه الإنساني "" ويتميز هذا الحد بأنه يجمع خصائص كثيرة للعلمانية في شطريه:
فالشطر الأول " أنسنة الإلهي " يحتوي على مقولة العلمانية في رفض المصدر الإلهي للأديان أو الوحي، واعتبارها ظواهر اجتماعية وإنسانية تاريخية برزت ضمن ظروف ومعطيات معينة كما أراد فرويد وغيره. ويحتوي هذا الشطر أيضاً: على إلغاء أو تمييع كل المقدَّسات والمعجزات، وإعادة تفسيرها تفسيراً إنسانياً اجتماعياً أو اقتصاديا أو مادياً، أو نفسانياً واعتبارها مجرد خرافات وأساطير عفا عليها الزمن.
ويحتوي هذا الشطر أيضاً: على أنسنة الطبيعة والكون بمعنى تجريده من أية دلالات روحية أو كونية أو رمزية، واعتبارها مواد للإنسان عليه أن يستثمرها في منفعته وأنانيته بشكل مطلق وإمبريالي دون أي اعتبار آخر، مع رفض الدلالات الغيبية، والإشارات الربانية التي تؤكد عليها الأديان جميعاً كمعالم للهداية، باعتبار الطبيعة - في رؤيتها - كتاباً كونياً منظوراً إلى جانب الوحي المكتوب.
ويحتوي هذا الشطر أيضاً: على الجهود التي تبذلها العلمانية لاستثمار الإلهي وتحويله إلى فكرانية بمعنى: "" تحويل الوحي إلى إيديولوجية "". "" تحويل الوحي ذاته إلى علم إنساني "" وذلك لتحقيق أغراض الإنسان وأطماعه، وقد تجلى ذلك واضحاً في الفلسفة الفيورباخية، وتبنى ذلك حسن حنفي من العلمانيين العرب – كما سنرى – ومعنى ذلك "" إلغاء الغيب كمصدر للمعرفة، وقصرها على عالم الشهادة "" ويتم ذلك بالعقل والتجريب بعيداً عن الوحي.
وعلى مستوى العلاقة بين العلمانية العربية والنص القرآني فإنه يتجلى أيضاً دور الشطر الأول من التعريف حيث نجد نزعة الأنسنة سائدة لدى هؤلاء فكتب أركون كتابه " نزعة الأنسنة " وحاول نصر حامد أبو زيد وغيره استعادة القضية الكلامية القديمة التي ثار حولها جدل طويل، وهي مسألة خلق القرآن في شكلها الاعتزالي، وذلك من أجل تكريس إنسانية الوحي ومنتوجيته البشرية، وسنفصل ذلك فيما بعد.
وأما الشطر الثاني من التعريف " تأليه الإنساني " فيتولى تغطية جوانب كثيرة أيضاً من خصائص العلمانية أهمها: النزعة الغرورية التي كرستها فلسفة نيتشة وداروين عبر " الإنسان الأعلى " و" البقاء للأقوى " والتي مورست عملياً من خلال حكام النازية والفاشية كما أشرنا سابقاً.
ويتضمن هذا الشطر أيضاً: التركيز العلماني الدائم على مركزية الإنسان، واستقلالية العقل، وهذه الأخيرة تشكل بُعداً أساسياً في العلمنة حتى عُرِّفت بأنها لا سلطان على العقل إلا للعقل في تفسير الوجود. هذا الجزء يتكفل بالإشارة إلى هذا البعد، حيث إن تأليه الإنسان يعني أن التفكير الإنساني مستقل عن الوحي، بل يرقى إلى مرتبة الوحي، ويحظى بنصيب من الألوهية. لقد بلغ الأمر بالفرنسيين بعد الثورة أن نصبوا تمثالاً وعبدوه سموه " إلاهة العقل ".
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير