تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن مع ذلك إذا شئنا أن نربط العلمانية بفلسفة منظرها هوليوك فيمكن القول إن العلمانية قائمة على الشك أحياناً، والإلحاد الصريح أحياناً أخرى؛ لأن هوليوك كان ينفي عن نفسه تهمة الإلحاد، ولكنه في نفس الوقت يعترف بعدم وجود أدلة كافية للإيمان بالله [عز وجل]، ويجهر أحياناً بأن الإله إنما هو " الحاضر المعيش ".

ويرجع أول استخدام لكلمة علمانية عند هوليوك إلى شهر ديسمبر سنة 1846 م عندما أوردها في مقال نشره في مجلة " ذي ريزونور " أي "المجادل العقلاني "، والسبب أنه شعر مع بعض زملائه وأسلافه مثل " توماس بين " و "ريتشارد كارليل " و "روبرت تيلور " أن المسيحية لم تعد مقبولة لدى أكثر فئات المجتمع، وقد مست الحاجة إلى استبدالها بمبدأ حديث فكان هو " العلمانية " وقد سماها أتباع روبرت أدين بـ " الدين العقلاني ". وهنا نتذكر ما تحدثنا عنه في التمهيد مما سمي " دين العقل " أو " الدين الطبيعي ".

أسس هوليوك في عام 1855 م " جمعية لندن العلمانية " وفي ديسمبر من نفس العام تحولت الحركة العلمانية إلى تيار واسع النطاق، وتزايد انتشارها بين عامي 1853 – 1854 م، مما دفع القس بردين جرانت إلى التصدي لها في كل أنحاء إنكلترة مفنداً ومجادلاً.

ولكن ازداد توزيع مجلة " الريزونور " العلمانية إلى خمسة آلاف نسخة، وانتشرت الجمعيات العلمانية في جميع أنحاء بريطانيا ومن أبرزها " جمعية لستر العلمانية " و" جمعية بولتون العلمانية " وجمعيات أخرى في سائر أنحاء البلاد.

وكان لجهود تشارلس برادلاف 1833 - 1894 م دوراً كبيراً في ترسيخ المبادئ العلمانية الجديدة، وإضفاء طابع الإلحاد عليها، وذلك عندما استلم رئاسة جمعية لندن العلمانية سنة 1858 م بدلاً من هوليوك، واشترك سنة 1860 م في تحرير مجلة " المصلح القومي " التي حلت محل سابقتها " الريزونور " وأسس الجمعية العلمانية القومية سنة 1866 م.

اندثرت مجلة " المصلح القومي " سنة 1881 م لتحل محلها مجلة " المفكر الحر " التي زادت من جرعتها الإلحادية، فكانت لا تكف عن الاستهزاء بالأناجيل، والسخرية من الذات الإلهية، إلى درجة أنها طالبت بمحاكمة أصحاب الأناجيل الأربعة لأنهم يجدفون على الله [عز وجل] فهم يقولون بأن الله [عز وجل]، ضاجع عذراء يهودية وأنجب منها طفلاً غير شرعي أسماه المسيح.


والخلاصة؟

في الواقع إننا لا نعرض هنا خلاصة لأن الخلاصة كانت هي ما عبرت عنه دوائر المعارف والمعاجم ـ كما رأينا ـ ولكن يمكن اعتبار ما نذكره هنا على أنه تأكيد للخلاصة، أو أنه خلاصة الخلاصة.
لقد رأى بعض القسيسين أن العلمنة في الأصل تحوُّل المعتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية عن البشر والعالم ولا سيما من منظور بروتستانتي. ولكن عالم اللاهوت الهولندي " كورنليس فان بيرسن " يوضح ذلك بشكل أكثر صراحة عندما يقرر بأن العلمانية تعني: "" تحرر الإنسان من السيطرة الدينية أولاً، ثم الميتافيزيقية ثانياً على عقله ولغته " ويفصل أكثر بقوله: " إنها تعني تحرر العالم من الفهم الديني، وشبه الديني، إنها نبذ لجميع الرؤى الكونية المغلقة، وتحطيم لكل الأساطير الخارقة، وللرموز المقدسة … إنها تخليص للتاريخ من الحتميات والقدريات، وهي اكتشاف الإنسان أنه قد تُرك والعالَم بين يديه، وأنه لا يمكن بعد الآن أن يلوم القدر أو الأرواح الشريرة على ما تفعله بهذا العالم، إنها تعني أن يدير الإنسان ظهره لعالم ما وراء الطبيعة، وأن يولي وجهه شطر هذا العالم أو" الهنا "وأن يحصر نفسه في الزمن الحاضر"".
إنها تعني: "" زوال وظيفة الدين في تحديد رموز التوحيد والاندماج الثقافي "، وتعني أن هناك: " مساراً تاريخياً لا راد له تقريباً هو الذي يتحرر بمقتضاه المجتمع والثقافة من الخضوع لوصاية الدين والأنساق الميتافيزيقية المغلقة ""، وتعني: "" القضاء على التبعية الطفولية في كل مستوى من مستويات المجتمع، إنها عملية نضج ورشد وتحمل للمسؤولية، أو قل إنها التخلي عن كل سند ديني أو غيبي أو ميتافيزيقي، وجعل الإنسان يعتمد على نفسه "".
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير