تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأخيراً يمكن القول أيضاً: إن بعض الإسلاميين الذين يستخدمون العلمانية – بالفتح - لا يفعلون ذلك بسوء نية، وبقصد فصل العَلمانية عن العلم وربطها بالدهرية كما يزعم بعض العلمانيين، وإنما يفعلون ذلك لأن معاني الكلمة ومصادرها واشتقاقاتها في اللغات الأجنبية لا صلة لها بمفهوم العلم – كما رأينا – وصلتها – كما رأينا – في دوائر المعارف والمعاجم ودراسة تاريخ الكلمة أقوى ما تكون بالدنيوية والمادية، كما أن السياق التاريخي والاجتماعي الذي نشأت فيه العلمانية وتبلورت يؤكد على ربط المصطلح بالعالم المحسوس والمادة فقط.


سؤال:
ما هي اللائكية وما الفرق بينها وبين العلمانية؟

رأينا أن العِلمانية - بالكسر - وظفها الفكر الغربي كأساس تبريري للعَلمانية - بالفتح - هذه الأخيرة التي اعتبرناها ظاهرة تستولي على كل البشر إلا من رحم ربك، وتمتد في عمق التاريخ والحضارات والأمم.
وإذا كان هناك من يعتبر اللائكية مصطلحاً رديفاً أو ترجمة للعلمانية، ولا يرى مانعاً من استخدامه بديلاً لها، فإن هناك من يراها تمثل الجانب السياسي للعَلمانية المتطرفة، التي استفحل أمرها في فرنسا على وجه الخصوص في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث طغت عليها النزعة الانتقامية من الدين، فكان الاعتماد على اللائكية لاجتثاث التدين بطريقة متعسفة ومغالية، وقد ارتبطت اللائكية في فرنسا على الخصوص بالتعليم وأُغلقت "" اثنتين وعشرين ألفاً من المدارس المسيحية "" في القرن التاسع عشر فاللائكية إذن الصورة العملية المتطرفة للعلمانية مارستها النظم السياسية التي انتهجت أسلوب الرفض الديني.
وبناء على هذه التفرقة يمكن اعتبار الممارسات الجنونية التي قام بها أتاتورك وأتباعه في تركيا للقضاء على كل مظاهر التدين نوعاً من اللائكية التي مورست في البلاد الإسلامية، في حين تظل الحكومات الجاثمة في الدول الإسلامية والعربية الأخرى التي تحاول فرض العلمانية على شعوبها بطرق دبلوماسية مراوغة ومتخفية، تتحرك في الإطار العَلماني وليس اللائكي، وحتى على تعريف بعض الحداثيين للائكية بأنها ""أن يكون كل إنسان سيد نفسه "" فلا يمكن اعتبار اللائكية ذات صلة بالبلاد العربية أو الإسلامية، لأن الإنسان هنا لا يملك من أمر نفسه شيئاً، فإذا كان حراً مخيراً في الغرب، فإنه في الشرق مسيّر كما قال الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله ساخراً من النظم السياسية في البلاد العربية والإسلامية.
والواقع أن التعريف الحداثي السابق أقرب إلى كونه تعريفاً للعَلمانية عند الذين يعتبرون العَلمانية محايدة تترك المتدين وشأنه، فهي ليست لائكية، لأن اللائكية ترفض أي مظهر للتدين، حتى حرية الإنسان في اختيار لباسه، وإطلاق لحيته وارتياد دور العبادة.
والخلاصة: أن اللائكية تمثل الجانب العملي التطبيقي للعلمانية، فإذا اعتبرنا العِلمانية – بالكسر - مرحلة بحث وتأسيس وتأصيل، والعَلمانية – بالفتح - مرحلة قرار وحسم، فإن اللائكية هي مرحلة التنفيذ والتطبيق لهذا القرار، وإنزاله من مستوى النظر إلى مستوى العمل، وأبرز مظهر لذلك " أليكة " التعليم بمراحله المختلفة والقوانين بكل فروعها ومجالاتها، والحياة السياسية والاجتماعية بكل نشاطاتها، ويتم ذلك عبر مؤسسات الدولة التي حَجَّمت من سلطات الكنيسة إلى أقصى ما يمكن.
ولكن الصراع لم يُحسم لصالح الدولة، فلم يكن من السهل القضاء على الكنيسة، فحافظت على الأقل على وجودها الشكلي والرمزي واعتُبرت العلاقة بين الدولة والكنيسة كالروح والجسد والفصل بينهما انتحاراً وطنياً، ولذلك اُختير في النهاية التعايش السلمي بين الدولة المعلمنة والكنيسة، فالملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانية كانت هي رئيسة الكنيسة الإنجليزية، وفي ألمانيا يؤدي المواطن ضريبة إلى الدولة خاصة بالكنيسة، ويتعايش في بلجيكا التعليم الديني مع التعليم الرسمي في المدارس الحكومي.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير