تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك يزعم أركون أن الغربيين يرفضون تفرقته هذه ويحاربونه في كتاباتهم من أجلها ويتهمونه بالتفاهة، والظلامية، والتشقيق الفارغ، وأنه لا يقصد سوى معاداة عصر التنوير، والقضاء على العلمانية القيمة الأساسية المؤسسة للحضارة الغربية. ولم يتكرم علينا أركون بذكر من هم هؤلاء الغربيين الذين يحاربونه من أجل ذلك؟ لعله يريد أن يستثير عواطفنا معه بجعله من نفسه خصماً للغرب والاستشراق الذي يقف منا موقف المستَغِل والمضطهِد والخصم، ويصبح أركون بذلك قائد المضطهَدين والمستغَلين والمظلومين، والمنافح عنهم. ولكن المراد في الواقع هو تمرير العلمانية الغربية لأن أركون في الحقيقة ليس خصماً فعلياً للغرب، وإنما خصماً مصطنعاً غايته ترويج نفسه أولاً، وترويج علمانيته ثانياً.

والعلمانوية المتطرفة التي ينتقدها أركون هي الرؤية المادية البحتة للكون والإنسان والحياة، ويتفق معه في هذا الاتجاه ثلة من الحداثيين إذ يريد هؤلاء جميعاً أن تشمل العلمنة أبعاداً جديدة في حياة الإنسان بما في ذلك البعد الروحي وهو لا يعني بذلك الإقرار بحقيقة الجانب الروحي، ولكن بما أنه واقع مشاهد في حياة الناس فيجب على العلمنة أن تشمله ببركاتها وخيراتها، حيث علينا "" أن نعترف للبعد الروحي بوجوده بصفته أحد المكونات التي تشكل نظام التصور والاعتقاد الخاص بكل فئة اجتماعية مدروسة "" ومن هنا وبما أننا في نظره في غفلة عن النقاش الدائر في الغرب حول العلمانوية laicisime والعلمانية laicite انتشر الخطاب الإسلاموي أو الأصولوي انتشاراً سريعاً في الآونة الأخيرة.

وهكذا يسير أركون دائماً في تفرقاته فيفصل بين القول بـ " التاريخية الراديكالية "، وهي تعني عنده أن "" العقل البشري لا يمكن فصله عن تأسيسه الاجتماعي التاريخي، أو عن جذوره الاجتماعية التاريخية ""، وهذه هي التي يسعى أركون لإشاعتها، والقول بـ " التاريخوية الوضعية " وهي تعني عند أصحابها أن "" الأحداث والوقائع و الأشخاص الذين وُجِدوا حقيقة، ودلت على وجودهم وثائق صحيحة هم فقط الذين يمكن أن يُقبلوا كمادة للتاريخ الحقيقي الفعلي، وهذا يعني استبعاد كل العقائد والتصورات الجماعية التي تحرك المخيال الاجتماعي أو تنشطه من ساحة علم التاريخ "". ويعني أركون بهذا النص أن النزعة التاريخوية الوضعية مخطئة في تحييدها لأثر الأساطير والميثيات عن ساحة التاريخ فهي ذات دور كبير في صنع التاريخ، وإن لم تكن ذات حقيقة واقعية، وهو يعني بذلك البنية الميثية في القرآن الكريم كما يصفها، وسنفصل قوله في ذلك لاحقاً.

وكذلك يفرق أركون بين النظام المعرفي الشعبي والشعبوي فما هي الشعبوية عنده؟ إن الشعبوية عند أركون – في تاريخنا القديم والحديث – هي التيار السلفي السني المسيطر السائد الذي يقود الجماهير الشعبية المؤمنة، ويُشكّل منها نواة الدولة والأمة، ويُكرّس لها معتقداتها وتصوراتها الدوغمائية – أي الجامدة – والتي تنفي بنظره الآخرين وتقصيهم عن أي دور في تشكيل النظام المعرفي الذي سيُفرَض على الشعب. إنها تُحوِّل الدين إلى هذيان جماعي يحمل في طياته الموت والخراب. ويتفق معه في ذلك مترجمه هاشم صالح حيث يؤكد أن الشعبوية تعني: الدوغمائية المتطرفة الغرائزية بينما الشعبية فهي: مستنيرة، متسامحة، ميالة إلى التقدم.


سؤال:
المصطلح العجيب: (العلمانوية) حتَّم تقديم السؤال التالي: ما السر في هذا الاصطكاك العلماني للمصطلحات؟

الفرق بين العلمانية والعلمانوية عند أركون أصبح واضحاً
فهي الجانب المتطرف من الفكر العلماني الذي يرفض كل ما سوى المادة، ويفسر كل الأشياء تفسيراً مادياً في حين يرى أركون أن العلمانية المستنيرة يجب أن تضع في اعتبارها الجوانب الروحية الديناميكية أو " الدينامو " كمؤثرات في النشاط البشري، وليس كحقائق ثابتة. هذه التفرقة تنسحب على كل الكلمات الأخرى التي يضيف إليها هذه ألـ " ويّة " متأثراً بالفكر الغربي والاستشراقي.
ويبدو لي أن هناك عاملين آخرين يدفعان الباحثين من أمثال تيزيني وأركون إلى اختيار هذه الصياغة كمعبر عن الغلو والتطرف في الفكر الإسلامي ثم تعميم ذلك ليشمل ظواهر عالمية أخرى.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير